عندما قررت الحقوقية الأردنية هديل عبد العزيز، خوض معترك الدفاع عن حق الوصول إلى العدالة وترسيخ مبدأ سيادة القانون منذ نحو 15 عاما، لم تكن تتوقّع أن مسيرتها الحافلة بآلاف الدعاوى القضائية لصالح المعنّفات والمهمشين من النساء والأطفال واللاجئين، ستكون محط تكريم في البيت الأبيض.
ونالت عبد العزيز التي تعمل مع فريقها في مركز العدل للمساعدة القانونية في 8 آذار/مارس، الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة لسنة 2023 من وزارة الخارجية الأمريكية، بعد حصيلة عمل زادت عن 9 آلاف مساعدة قانونية ومرافعة قضائية سنويًا أمام المحاكم.
وتنوعت المساعدات القانونية والمرافعات القضائية بين تخليص سيدات موقوفات إداريا من احتجاز دام بعضه عشرات السنوات، وتخفيض عقوبات بحق نساء اتهمن بالقتل دفاعا عن النفس، وكسب حقوق للاجئين أو لأيتام أو إثبات نسبهم وغير ذلك.
وقالت عبد العزيز ، إن أهمية الجائزة تتجلى في تسجيل اعتراف دولي بجهود كبيرة لفريق عمل المركز في إطار المساعدة القانونية لمن لا يستطيع الوصول لها.
وأوضحت الحقوقية الأردنية أن الجائزة بمثابة اعتراف بأهمية قضية حق الوصول إلى العدالة في ظرف سياسي يتبنى نهج “التحديث”، فيما يتراجع منسوب الحريات العامة وحرية عمل المجتمع المدني، منذ جائحة كورونا.
وأشارت عبد العزيز التي شغلت موقع المديرة التنفيذية للمركز منذ عام 2010 وهي اليوم أم لشابتين، إلى أن صعوبات جمّة واجهت عمل المنظمة التي تقدّم المساعدة القانونية، منها محاولات الإقصاء العديدة ومقاضاة المركز أمام المحاكم لوقفه عن عمله من نقابة المحامين وغيرها من محاولات التضييق.
وفي عام 2014 استطاع مركز العدل إنهاء حالة احتجاز لسيدة إداريا في السجون الأردنية استمر لمدة 20 عاما. وفي شهر آذار/مارس، حكمت محكمة الجنايات الكبرى على فتاة عشرينية قتلت رجلا حاول اغتصابها بالحبس سنتين في حكم مخفّف بفضل عمل المركز الذي يسعى لتمييز الحكم بعد إثبات نيّة القاتل اغتصابها،
كما خاضت الحقوقية الأردنية والمركز معركة دفاع عن إقرار قانون حقوق الطفل الأردني الذي صدر رسميا هذا العام، بعد نحو ربع قرن من طرحه.
ولا تخفي عبد العزيز الجهود المضنية التي أوصلتها اليوم إلى أروقة البيت الأبيض لتفخر بنفسها كامرأة مدافعة وأم صلبة، إذ حصلت في شهر يناير/كانون الثاني على “الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون”.
وأكدّت الحقوقية الأردنية أن “الأمر لايتعلق بفعل بطولي كبير، بل بـ100 معركة صغيرة”، موضحة أن “هذا الاعتراف بينً أن عملنا مرئي ويساعدنا على الاستمرار”.
واعتبرت عبد العزيز أن هذا العمل أردنيًا وعربيًا، يتطلب تعاونًا أكبر في وقت تقدّر فيه دراسات بأن 68% من القضايا الجزائية في الأردن يتم النظر فيها من دون محام يدافع عن الأفراد، معتبرة أن ما يجعل من ضياع الحقوق خطرا اجتماعيا يقوّض أيضا سيادة القانون.
وعن أكثر القضايا التي أحدثت اختراقا حقوقيا، قالت: “غيرّنا في مسار الكثير من القضايا، من أهمها الطعن في اختصاص محكمة أمن الدولة للنظر في قضايا الأحداث وحصرها بمحاكم أحداث مختصة في 2014، إثر صدور قرار من محكمة التمييز في ذلك، وقدمنا أكثر من 8 مقترحات لأنظمة تنفيذية وقوانين تتعلق بالأطفال والأحداث وحماية الأسرة من العنف والعنف المبني على النوع الاجتماعي”.
ورأت الحقوقية الأردنية الحاصلة على درجة البكالوريوس في الحقوق أن نجاح أي امرأة مرتبط ببذل جهد مضاعف في محيطها بخلاف الجهد المطلوب من الرجل، قائلة: “لم أكن أتوقف عن العمل وإن كان على حساب ذاتي وصحتي. في مجتمعنا إن حصل أي نقص في الأدوار الوظيفية للنساء يصبحن محل انتقاد، والمجتمع يساهم في أن يخلق شعورا دائما بالتقصير منهن إن حصل ذلك، مع أن هذا لا يحصل مع الرجال”.
أما العمل بجدّ ومثابرة والسعي للحصول على المعرفة فكان جزءًا أساسيًا من نجاحها، إذ قالت: “لطالما استمعتُ لصوت ضميري، ورفضتُ أن أبقى عالقة في أي منظومة لا ترضيني”.
وعربيًا، تبقى أمام المرأة أشواطا طويلة للوصول إلى المستوى المؤثر من التمكين الاقتصادي والاجتماعي، بحسب ما ذكرته عبد العزيز، وخصوصًا في ظل الضعف بأنظمة الحماية للنساء، والفقر، والأعباء الاقتصادية متعددة الأبعاد.