إسرائيل المنقسمة تقف على مفترق طرق محفوف بالمخاطر في الذكرى الـ75 لتأسيسها

كانت تل أبيب مدينة صغيرة ذات مبان منخفضة الارتفاع عندما أعلنت إسرائيل استقلالها في العام 1948، في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة.

توجد الآن ناطحات سحاب تستضيف بعضًا من أغنى شركات التكنولوجيا الفائقة في العالم، في المكان الذي كانت فيه كثبان رملية.

ويُعتبر الآن، الجيش الصغير غير المترابط الذي صد بشكل غير متوقع قوات عربية أكبر بكثير خلال الحروب التي تلت ذلك، أحد أكثر الجيوش تطوراً في العالم.

ولكن رغم أن صعود إسرائيل كان دراماتيكيًا، إلا أنه في الذكرى الـ75 لتأسيسها، تشعر الدولة أيضًا أنها على حافة هوة وأزمة هوية، حتى مع استمرارها في مواجهة تهديدات خارجية دائمة الوجود.

حذر رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ هذا الأسبوع في خطاب أمام مجموعات يهودية، قائلا: “الجدل العنيف حول اتجاه إسرائيل في الأشهر الأخيرة هو مثال صارخ على الطرق التي تصبح فيها العزلة بين المجموعات المختلفة، والاستقطاب الذي يتفاقم لسنوات مدمرًا، ويضعف الركائز التي تجمع أمتنا.”

وأضاف: “أنا مقتنع بأنه لا يوجد تهديد وجودي أكبر لشعبنا من التهديد الذي يأتي من الداخل: استقطابنا وعزلتنا عن بعضنا البعض.”

احتجاجات غير مسبوقة

الاستقطاب الذي وصفه هرتسوغ يتجلى في الانقسامات غير المسبوقة بين مؤيدي ومعارضي خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادة تشكيل ميزان القوى بين البرلمان والنظام القضائي.

أدخل التشريع إسرائيل في أكبر وأطول حركة احتجاجية في تاريخ الدولة.

خرج منذ أشهر مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع أسبوعًا بعد أسبوع للاحتجاج على خطة الحكومة لمنح السياسيين في الكنيست، أو البرلمان، سلطات جديدة على المحاكم وتعيين القضاة.

يُشار إلى افتقار إسرائيل إلى دستور كأحد أسباب الأزمة السياسية الحالية.

كانت هناك نية لكتابة دستور عندما تأسست الدولة، لكن الخلافات أخّرت ذلك. بعد 75 عامًا، لا يزال الأمر متأخرًا: فبدلاً من الدستور المكتوب، تمتلك إسرائيل ما تسميه “قوانين أساسية” لها وضع دستوري.

لطالما كانت الحكومات قادرة على التلاعب بهذه القوانين الأساسية، لكن الإصلاح القضائي لهذه الحكومة -الذي وصفه مناصروها بأنه إصلاح ضروري لكبح جماح نظام قضائي واسع النطاق وغير منتخب- نادر الحدوث، وإن حدث من قبل.

ورغم أن نتنياهو أعلن عن توقف مؤقت للعملية التشريعية الشهر الماضي، فقد حافظت حركة الاحتجاج على الكثير من زخمها، وتحولت إلى حركة عامة ضد الحكومة نفسها، الأكثر تديناً ويمينية في تاريخ إسرائيل بقيادة أول رئيس للوزراء يبقى في منصبه أثناء مواجهة محاكمة فساد جارية.

تجلت حدة المشاعر المناهضة للحكومة في يوم الذكرى الثلاثاء، وهو اليوم الذي عادة ما يتخطى فيه الإسرائيليون السياسة وينضمون إلى بعضهم البعض في الحداد على أولئك الذين قتلوا في الحروب أو في الهجمات الإرهابية.

صرخ متظاهرون على أحد أعضاء الحكومة الأكثر تطرفًا، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، عندما تحدث في مقبرة عسكرية، واندلعت مشاجرات بين المعزين. واجه وزراء آخرون أيضًا مقاطعات أصغر، واختار عدد قليل عدم التحدث على الإطلاق في يوم الذكرى بدلاً من إعطاء المتظاهرين فرصة لإحداث ضجة.

انجر تقريبًا كل قطاع في إسرائيل إلى الأزمة السياسية. حتى قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي غير السياسي عادة انخرط بذلك، حيث تبقي الشركات الناشئة الاستثمارات خارج البلاد وتشجع الشركات موظفيها على المشاركة في الاحتجاجات.

قال رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا العالية ورئيس Jerusalem Venture Partners، إيرل مارغاليت، إنه على عكس السنوات السابقة، فإن عيد الاستقلال هذا ليس وقتًا للاحتفال فقط: “هذا أيضًا هو الوقت لنقول ما نريد أن تكون عليه شخصية الدولة: نريد دولة ديمقراطية، نريد دولة تعددية، ونريد مجتمعًا مبدعًا حيث يوجد أكثر من صوت واحد. نريد أن تستخدم إسرائيل تقنيتها وقوتها، ليس لعزل نفسها عن العالم ولكن لربطه.”

وأضاف: “ينظر الكثير من اليمين واليسار إلى العقد الاجتماعي الذي لدينا هنا، ويقولون إننا يجب أن نضع الديمقراطية في المقدمة وفي المنتصف. نعم، نقول إن إسرائيل أعجوبة عمرها 75 عامًا، لكنها أعجوبة ديمقراطية تحتاج إلى البقاء حرة وتحتاج للاستعداد للفصل التالي، الـ75 عامًا القادمة وما بعدها.”

عملية سلام مجمدة

يحيي الفلسطينيون مع احتفال إسرائيل بمرور 75 عامًا على تأسيسها وسط ضجة كبيرة، نفس المناسبة ولكن بحداد. أجبر خلال قيام الدولة اليهودية أكثر من 700 ألف فلسطيني على الفرار من ديارهم التي تُعرف الآن بإسرائيل. بعد ما يقرب من 8 عقود على ذلك، يصفون الحدث بـ “النكبة” أو الكارثة، مع عدم وجود حل في الأفق لملايين الفلسطينيين عديمي الجنسية اليوم، أو اتفاقية سلام مع إسرائيل. (يحيي الفلسطينيون رسميًا يوم النكبة في 15 مايو، ذكرى تأسيس إسرائيل حسب التقويم الميلادي).

لقد تم تجميد أي عملية سلام ذات مغزى بين إسرائيل والفلسطينيين لسنوات، والوضع على الأرض في أخطر حالاته منذ نهاية الانتفاضة الثانية، أو الانتفاضة الفلسطينية، في بداية القرن.

بلغ عدد القتلى الفلسطينيين والمسلحين والمدنيين في الضفة الغربية المحتلة على يد القوات الإسرائيلية أعلى مستوياته منذ ما يقرب من عقدين. وينطبق الشيء نفسه على الإسرائيليين والأجانب -ومعظمهم من المدنيين- الذين قُتلوا في هجمات فلسطينية. ظهرت مجموعات مسلحة جديدة أو عادت إلى الظهور في مدينتي نابلس وجنين الفلسطينيتين. الجيل الجديد فاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجذب الشباب المحبطين الذين يرون السلطة الفلسطينية وزعيمها المسن محمود عباس قوة فاسدة لم تفعل شيئًا يذكر للتخلص من الاحتلال أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

هددت اقتحامات الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى في القدس خلال شهر رمضان هذا العام شراكات إسرائيل الجديدة والقيمة مع الدول العربية التي أقيمت بموجب الاتفاقات الإبراهيمية.

وتقول الشرطة إنها أجبرت على دخول الموقع المقدس، المعروف للمسلمين بـ “الحرم القدسي الشريف” ولليهود بـ “جبل الهيكل”- بعد أن تحصن مئات الشبان في الداخل، وألقوا الحجارة وأطلقوا الألعاب النارية على القوات الإسرائيلية. ولكن مشاهد ضرب رجال الشرطة للفلسطينيين داخل المسجد أثارت تنديدات واسعة النطاق.

يرفض المسؤولون الإسرائيليون فكرة أن شراكاتهم الجديدة مهددة. لكن سعي نتنياهو للتوصل إلى اتفاق سلام رسمي مع المملكة العربية السعودية، الكأس المقدسة للتطبيع العربي، يبدو بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

التهديدات الخارجية

تشن إسرائيل ما تسميه “المعركة بين الحروب” منذ سنوات، وتضرب أهدافًا استراتيجية، وعادة ما تكون مجموعات مدعومة من إيران في أماكن مثل سوريا.

لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن الحرب الكبرى التالية قد تكون قادمة.

بعد التوغلات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، لم تطلق الجماعات الفلسطينية المسلحة صواريخ من معقل حماس في غزة فحسب، بل أطلقت أيضًا صواريخ من لبنان وسوريا. لقد كانت الضربات من لبنان الأكبر من ذلك البلد منذ الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 2006.

كانت الصواريخ القادمة من الشمال أكثر إثارة للقلق بالنسبة لمسؤولي الأمن الإسرائيليين، الذين يخشون منذ فترة طويلة اندلاع حرب مع حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والتي تسيطر على جنوب لبنان والتي تمتلك ترسانة صواريخ أقوى بكثير مما تمتلكه حماس.

ورغم أن المسؤولين الإسرائيليين، الذين ربما يسعون لاحتواء الصراع، قد قالوا إن الجماعات الفلسطينية المسلحة وليس حزب الله هي التي أطلقت الصواريخ من لبنان، عقد قادة حماس وحزب الله اجتماعات عامة لمناقشة “جاهزية محور المقاومة”.

وقال وزير الدفاع يوآف غالانت للصحفيين في إيجاز الأسبوع الماضي إن إسرائيل ستضطر قريبا إلى مواجهة صراع متعدد الجبهات.

وقال غالانت للصحفيين، وفقا لتايمز أوف إسرائيل، إن “هذه نهاية حقبة الصراعات المحدودة. نحن نواجه حقبة أمنية جديدة قد يكون فيها تهديد حقيقي لجميع الساحات في نفس الوقت.”

وأشار غالانت على وجه التحديد بإصبع الاتهام إلى إيران، التي قال إنها القوة الدافعة ومصدر التمويل وراء معظم التهديدات التي تواجه إسرائيل.”

وعلى الرغم من أن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لا تبدو مطروحة للنقاش، لا تزال إسرائيل تحاول دفع الولايات المتحدة لاستخدام المزيد من الوسائل المباشرة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.

أضاف غالانت “أن إيران أقرب من أي وقت مضى لتحقيق قدرة نووية عسكرية. علينا أن نتصرف في مواجهة هذا التهديد بإحدى الطريقتين، إما العمل العسكري أو تهديد عسكري ذو مصداقية. تشعر إيران بثقة متزايدة بالنفس فمن وجهة نظرها أن الغرب يفتقر إلى الأدوات الفعالة ضدها وأن إسرائيل مشغولة بالتعامل مع وكلاء إيران.”

نجحت إسرائيل على مدار 75 عامًا في مواجهة أعدائها الخارجيين وإدارة صراعاتها الداخلية. لكن لم يسبق أن واجهت الدولة الكثير من الأزمات المختلفة في وقت واحد، ومع احتفالها يوم الأربعاء بعيد استقلالها تحت سماء زرقاء هادئة، يبدو المستقبل أكثر غموضًا من أي وقت مضى.

عن sherin

شاهد أيضاً

صباح عيد الميلاد.. هجوم روسي “ضخم” بأوكرانيا وبولندا ترسل مقاتلة ردا على هجوم غربا

قالت السلطات بأوكرانيا، إن روسيا شنت هجمات جوية على قطاع الطاقة في البلاد “على نطاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *