خبريّا انشغلت الصحافة الأميركية والإسرائيلية عن المهم بالأكثر أهمية، التفجير الانتحاري الذي نفذه أحد إرهابيي داعش خراسان (أيسيس كيه) لم يكن مجرد حدث ضمن التداعيات المتوقعة للانسحاب من أفغانستان، وإنما بمثابة رنين مدوي لجرس إنذار يذكر المجتمع الدولي بأسره، ما هو الإرهاب. هذا التنظيم يرى في طالبان التي مازالت مصنفة حركة إرهابية في معظم دول العالم، يراها حركة “مرتدة”!
فيروس التطرف العنيف أو الإرهاب -كما جميع الفيروسات- سريعة العدوى وقابلة للتحوّر. معركة لا تجدي فيها اللقاحات بقدر ما تحسمها المناعة الطبيعية. ورغم حرص الزعيمين الضيف نفتالي بينيت رئيس أكبر حكومة تعددية في تاريخ إسرائيل والمضيف جو آر بايدن الذي بشر العالم في خطاب التنصيب بأن “أميركا قد عادت وعادت معها الدبلوماسية”، رغم حرصهما على الظهور متفقين في إدانة الحدث، إلا أن التفاصيل حملت ما هو أبعد من المجاملات الدبلوماسية.
أحسن بينيت في التقاط الإشارة الأكثر خطورة وأهمية في هذا الفعل الإجرامي عندما تساءل عن مدى خطورة امتلاك “دولة ترعى الإرهاب سلاحا نوويا”، مذكرا بأن “إيران هي المصدر الأول للإرهاب في العالم”. بايدن بدوره وقد بدأ الحديث الذي لم يعرض على الهواء مباشرة لانشغال التلفزة الأمريكية ببث وقائع مؤتمر صحفي في البنتاغون عن أفغانستان، بدأ متمسكا بخيار الدبلوماسية أولا معلنا عن “خيارات أخرى” في حال فشل مفاوضات فيينا في تحقيق الغاية التي يتفق عليها الجميع داخل أمريكا وخارجها وهو عدم السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية.
لكن التوقيت ألقى بظلال ثقيلة على تلك “الخيارات الأخرى” وإن كان وعيد بايدن لمنفذي اعتداء مطار حامد كرزاي في كابول قد تحقق بعيد لقائه بينيت، حيث تكفلت طائرة بلا طيار أمريكية باقتناص أحد “مخططي” التفجير الذي أودى بحياة ثلاثة عشر جنديا أمريكيا وعشرات الضحايا من المدنيين الأفغان بينهم أطفال.
وأمام الرسائل التي تبدو متضاربة في الصور الواردة من مسرح “أكبر عملية إجلاء جوي منذ الحرب العالمية الثانية”، وردت عبارة في غاية الأهمية -خاصة بالنسبة للإدارات الأمريكية الديموقراطية- على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما قال إن بلاده” لن تطلب من أي كان القتال نيابة عن إسرائيل” لا وجود لمصطلح “آوت سورسينغ” بمعنى شراء خدمات الآخر، عندما يتعلق الأمر بالأمن لا بل بالوجود. هكذا ترى إسرائيل على اختلاف حكوماتها الخطر الذي تمثله إيران، وهنا لا فرق بين بينيت وسلفه بنيامين نتانياهو أطول رؤساء إسرائيل خدمة.
قبيل زيارة بينيت إلى واشنطن وهي الأولى له خارج إسرائيل، نشرت الصحافة الإسرائيلية تعليقا لسلفه نتانياهو على تسليم الجيش الوطني الأفغاني البلاد لطالبان، بأنه رفض يوما ما عرضا من وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري (إبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما) بالاطلاع على تجربة واشنطن والناتو في تسليح الأفغان وتدريبهم كجيش وشرطة لمواجهة إرهاب طالبان وتنظيمات أخرى. تفاخر نتانياهو – ويبدو أنه محقا – بأنه رفض نقل التجربة للساحة الفلسطينية (الضفة والقطاع).
مرة أخرى تثبت الأحداث الشرق أوسطية ترابطها الجدلي التراكمي. ما من ساحة بعيدة عن الأخرى. القضية الأساسية كانت وما زالت هي محاربة الإرهاب. ولعل الأقل كلفة بالأرواح والأموال هو التعرف – بصدق وتواضع – على أسبابه ومصادره.
الصورة التي ما زالت “صادمة” هي سماح واشنطن في ظل إدارة أوباما الثالثة كما يراها كثيرون لتكرار سيناريو الانسحاب من العراق ومن ثم من أفغانستان، في العراق مرة أخرى وربما سوريا. فما كان أوباما يسميها مجرد “فريق رياضي من طلبة المدارس” (جيه في- جونيور فارسيتي) صارت تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”! ومن ثم تحورت إلى داعش خراسان في نسخة أكثر خطورة حتى من القاعدة خراسان التي قامت الطائرات الأمريكية بقصفها قبل سنوات في سوريا!
من هنا، فإن وعد بايدن بإبقاء التفوق الاستراتيجي العسكري لإسرائيل على أعدائها “مجتمعين”، لن يقف عند إمداد “القبة الحديدية” بما يلزم وإنما بالتعامل مع من يمد تنظيمات “المقاومة والممانعة” وجميعها مصنفة إرهابية، في أمريكا (الجمهورية والديموقراطية). بهذا تعلم طهران على وقع ما يجري في كابول، أن ثمة أمور قيد الإعداد. ليس من بينها قطعا، بقاء نظامي “ملالي” في الشرق الأوسط “الكبير” أو “الجديد” أحدها شيعي في طهران والآخر سني في كابول!