عمدت العديد من الشركات في العالم إلى اتباع نهج العمل عن بُعد لموظفيها، وهو أمر لم يكن مطروحًا بالسابق، ولكن جائحة كورونا غيرت الكثير من القرارات، والأولويات، بدءاً من ضمان سلامة الموظفين، وصولا إلى تنفيذ وإنجاز المهمات اليومية، وغيرها.
موجة ثانية من التحول الرقمي
وفي ظل جائحة كورونا التي لا زالت مستمرة، شهدنا “موجة ثانية من التحول الرقمي”، وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي للعمليات والتسويق لدى “مايكروسوفت” الشرق الأوسط وأفريقيا، محمد ميكو.
ومع بدء تخفيف إجراءات الإغلاق، بدأت اقتصادات المنطقة في الانتعاش، ورأى قادة الأعمال أن بيئة العمل أخذت تتحول بالفعل، إذ أصبحت مزيجاً من العمل في داخل وخارج المكاتب، وهو ما أصبح يُطلق عليه ببيئات العمل الهجينة.
وثمة تفضيل لأسلوب العمل الهجين، بسبب المرونة في العمل، الأمر الذي سيتطلب من المؤسسات، والشركات الأستفادة من تجارب الموظفين، والعمل على تعزيز إرساء ثقافة عمل جديدة من شأنها تمكين القوى العاملة من الازدهار.
ويقول ميكو: “هذا بالتحديد ما ستقوم به التكنولوجيا، إذ أنها تلعب دوراً حيوياً في توفير هذه البيئات، وبالتالي التأكيد على أن التكنولوجيا ستكون أساسية في السنوات القادمة”.
ويُعتبر التحول الرقمي العنصر الذي أثبتت قدرته على زيادة تفاعل العملاء، وتمكين الموظفين، وتعزيز العمليات، وإعادة ابتكار نماذج الأعمال.
وفعلياً، لا يمكن تلبية المتطلبات الرقمية للمواطنين، وتوفير خدمات فردية تتناسب مع تفضيلاتهم الشخصية دون التحول الرقمي.
وستكتسب الشركات التي تعتمد النهج التكنولوجي، العديد من الميزات التي تتمثل في زيادة المرونة، وسرعة الأداء، والفاعلية، والقدرة على خفض التكاليف من خلال الانتقال إلى السحابة (Cloud).
وأشار ميكو إلى استطلاع أجرته “مايكروسوفت” تحت عنوان “إعادة صياغة مفهوم بيئة العمل” حيث أفاد 83% من قادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا أن عمل الموظفين عن بُعد كان أكثر إنتاجية، وأحياناً، تساوت معدلات انتاجيتهم مع زملائهم في المكاتب.
ومع توجه جميع المؤسسات نحو الاعتماد على التكنولوجيا، لا بد من الحرص على وضع العنصر البشري في قلب استراتيجيتها، لأن جودة القوى العاملة، ومستوى خبراتها في أي مؤسسة هي التي تحدد مدى نجاحها، وتطورها، أو تدهورها.
رصيد غير محدود من الإمكانات
واتسم التكيّف مع أسلوب العمل في العالم الافتراضي خلال فترة الجائحة بصعوبته في العديد من الحالات بسبب فرض قيود التباعد الاجتماعي، وانعدام اليقين، والظروف المُجهدة عموماً.
ومع ذلك، إلا أن المديرة المشاركة لمنصة “StartAD”، وهي منصة تسريع الأعمال العالمية المدعومة من شركة “تمكين”، والتي تتخذ من جامعة نيويورك أبوظبي مقراً لها، هناء بركات، تؤكد على ضرورة عدم تجاهل النتائج الإيجابية التي شهدناها أيضاً في الفترة ذاتها.
وفي مقابلة مع موقع CNN بالعربية، قالت بركات، إن الكثير من الشركات نحجت في التحوّل بشكل سريع، وتغيير نهج أعمالها، وتكييف منتجاتها، وخدماتها مع الظروف القائمة، الأمر الذي منحها الميزة التنافسية التي تحتاج إليها.
ودفعت المعايير الجديدة في السوق الشركات للابتكار، وإعادة تصميم عملياتها على نحو أسهم في زيادة معدلات الكفاءة، وتحسين طرق العمل، مثل الحد من تكاليف السفر، واعتماد الاجتماعات الافتراضية بدلاً من الشخصية.
وأضافت بركات: “كاد الاقتصاد العالمي ينهار لولا توافر التكنولوجيا في غالبية أنحاء العالم”.
وسمحت التكنولوجيا للعديد من الشركات والاقتصادات بتسريع عملية تحولها الرقمي، والانتقال نحو حلول الدفع، والتعاملات القانونية الإلكترونية، مما سرّع من العمليات الأخرى، مثل الاستفادة من قطاع التكنولوجيا المالية وغيرها من الحلول الرقمية، والتي كان التحول إليها سيستغرق عامين أو ثلاثة على الأقل.
وتُقدم التكنولوجيا “رصيداً غير محدود من الإمكانات”، وفقاً لبركات، ولهذا يتوجب على الشركات أن تضع رؤية واستراتيجية واضحتين للاستخدام.
وتتمثل إحدى فوائد التكنولوجيا أيضاً في تحقيق البساطة بمكان العمل، حيث أظهرت دراسات بأن البساطة في مكان العمل تؤثر على نتائج الشركة، إذ تُسهم في تسهيل عملية الابتكار، وزيادة ولاء الموظف على نحو يُساعد بدوره في رفع الأداء الإجمالي للشركة ككل، وفقاً لما ذكرته بركات.
ورغم استحالة التنبؤ بما يحمله المستقبل، إلا أن بركات تعتقد أن التوجهات التكنولوجية والاجتماعية ستواصل دورها في رسم ملامح مستقبل العمل.
الفِرَق الموزعة هي المستقبل
وفرض نقص التقدم التكنولوجي سابقاً ضرورة كون بيئات العمل “مركزية” بدلاً من المرونة، وفقاً لما ذكره المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “PayTabs” (بيتابس) المزودة لحلول الدفع، عبدالعزيز الجوف، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية.
وأعطى العصر الرقمي أدوات للشركات من جميع القطاعات، والصناعات، حيث قال الجوف: “بسبب إنترنت الأشياء، يمكننا العمل عن بُعد من أي ركن في العالم”.
ومثل العديد من الشركات، كان لـ”PayTabs” العديد من الموظفين الذين عملوا في مكاتب موزعة على مختلف أنحاء الشرق الأوسط، من القاهرة إلى دبي.
وبسبب جائحة “كوفيد-19″، طبّقت الشركة سياسة العمل عن بعد لضمان سلامة الموظفين. ورغم تغير مكان العمل، إلا أن الجوف أكد أن مستويات الإنتاجية لم تتغير، خاصة أن الشركة وفرت منصات التكنولوجيا، والبنية التحتية، والأجهزة المناسبة لضمان استمرارية أعمالها.
وكانت فِرَق الشركة الهندسية مجهزة بشكل جيد لأداء مهامها أثناء العمل عن بُعد بفضل التكنولوجيا.
كما تمكنت أنظمة وإجراءات الدفع لدى الشركة في دعم العملاء والشركاء بسلاسة حتى خلال ذروة الجائحة في مارس/آذار من عام 2020.
ويرى الجوف أن الفِرَق الموزعة هي المستقبل، أي الموظفين الذين يعملون عن بعد في جميع أنحاء العالم، بدلاً من التمركز في مكان واحد.