خمسون مليون أمريكي أدلوا بأصواتهم قبل بدء المناظرة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، ومنافسه جو بايدن نائب الرئيس السابق مرشح الحزب الديمقراطي.
هذا رقم غير مسبوق. وكذلك ستكون نسبة المشاركة في الاقتراع حتى الثالث من نوفمبر المقبل على الأرجح. والأهم من هذا وذاك هو عدد الولايات المتأرجحة والمقاطعات المتأرجحة أيضا والذي فاق جميع ما سبق من انتخابات بما فيها ٢٠١٦ بنحو خمس ولايات، لكن الرئيسية الفارقة ما زالت فلوريدا وبنسلفانيا ووسكنسن وأريزونا وميشيغان.
ثمة ثلاثة أمور أخرى كانت أيضا غير مسبوقة، أهمها ما يعرف بـ “مفاجأة أكتوبر” وهو مصطلح متداول في المعارك الانتخابية الرئاسية حيث يحرص المرشحان على التحضير لمفاجأة تغير مزاج الناخبين وتستميل المتأرجحين منهم. المفاجأة كانت ما تجاهلته وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية كليا أو جزئيا وهو ما عرف بفضيحة “لابتوب” هنتر بايدن.
قبل أقل من ساعتين على موعد المناظرة، قام شريك هنتر، توني بوبالينسكي، الذي اختاره ترامب ضيفا على اسمه في جمهور المناظرة في ناشفيل بولاية تنسي، قام بعقد مؤتمر صحافي امتنع فيه عن الإجابة على أي سؤال، زعم فيه وجود أدلة على تورط هنتر ووالده وعمه في صفقات تربّح على نحو غير مشروع من الصين، بعد اتهامات سابقة طاولت هنتر ووالده في كل من أوكرانيا وروسيا. بطبيعة الحال، قام ترامب بتوظيف ذلك في المناظرة بمناسبة وغير مناسبة، ونفاه بايدن جملة وتفصيلا في المناظرة التي شكلت سابقة من حيث استخدام آلية كتم الصوت من غرفة التحكم عن أي من المتناظرين في حال مقاطعة الآخر أو تجاوز الوقت المخصص وهو دقيقتان في بداية كل من ستة محاور موزعة بالتساوي على مدة المناظرة وهي تسعين دقيقة.
كان ترامب قد أبدى شكوكا بحيادية مديرة المناظرة مراسلة شبكة إن بي سي في البيت الأبيض كريستين وولكر الذي شهد ترامب نفسه بحسن أدائها خلال المناظرة وقد كانت بالفعل متميزة إعدادا وتقديما وإدارة للمناظرة. خلت المناظرة الأخيرة على النقيض من الأولى من الإساءات والمقاطعات والتجاوزات وتمكن المشاهدون من الإصغاء لما قاله ترامب وبايدن وكانت كريستين عادلة في منح حق الرد لكليهما.
رغم خطف مفاجأة أكتوبر للأضواء على منصات التواصل الاجتماعي خاصة من قبل ناشطي الحزبين، تمسكت كريستين بأولوية “كوفيد” كأول محاور المناظرة فيما اختتمتها بدعوة ترامب وبايدن لمخاطبة الأمة الأمريكية وكأننا اليوم في يوم التنصيب العشرين من يناير ٢٠٢١. ترامب استغل الستين ثانية كاملة لمهاجمة بايدن والتمسك أن استراتيجية النصر هي الكفيلة بتوحيد الأمريكيين فيما آثر بايدن على التقيد بالسؤال فتحدث خلال الدقيقة ناظرا مباشرة إلى عين المشاهد من خلال الكاميرا الوجاهية المخصصة له، بالتعهد بأنه سيكون رئيسا للأمريكيين كافة وليس لمن انتخبوه فقط.
أما ما يخص المحاور الأخرى، وبخاصة محوري مواجهة العنصرية وقضايا المناخ والطاقة، فلم يأت أي من المرشحين بجديد. تمكن الرجلان من إظهار غياب البديل لدى الآخر، لكن الاستراتيجية التي بدت واضحة لدى الطرفين بعيدا عن تفاصيل السجال، تمثلت بحرص ترامب على إظهار نفسه بمظهر الآتي من خارج عالم السياسة ومن خارج “المؤسسة” و “نادي” واشنطن، مقابل بايدن الذي أمضى 47 عاما في العمل السياسي (التشريعي) كعضو في مجلس الشيوخ و8 سنوات كنائب للرئيس. في أكثر من نقطة صدامية، واجه ترامب بايدن متسائلا: إن كنت تعني ما تقول ما الذي منعك من تطبيقه؟ بايدن بدوره، قام بنفي ما وصفها مزاعم ترامب لدرجة مطالبته بالعودة إلى الأرشيف؟ تجلى ذلك بوضوح في مثالي اتهامه بوصف مسيء للأمريكيين من أصول إفريقية في قانون خاص بمحاربة الجريمة عام ١٩٩٤ ، والموقف من التنقيب عن النفط والغاز عبر طريقة التكسير (فراكينغ).
12 يوما وتكون الكلمة الأخيرة في كل ما قيل في المناظرة الأخيرة لدافعي الضرائب الأمريكيين، للناخبين هم وحدهم الذين سيقررون من كان كلامه مجرد “كلام في كلام” أو ما يعرف بالثقافة الأمريكية بال”ملاركي” وتعني اللغو أو الحديث فارغ المضمون، وهي الكلمة التي اتهم بها بايدن ترامب عند حديثه عن إنجازات إدارته في رئاسته “الأولى”!