واصلت الحكومة المصرية اتخاذ قرارات لترشيد الدولار، كان آخرها قرار سلطة الطيران المدني بوقف العمل بنظام تذاكر “السوتو”، وسبقه قرار من البنك المركزي بوقف استخدام البطاقات مسبقة الدفع في التعاملات الدولية سواء للسحب النقدي خارج البلاد أو للشراء الإلكتروني بالعملات الأجنبية.
وتزامن ذلك مع تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد فيها رفضه لتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار “حتى لا يتسبب ذلك في زيادة الأسعار مما قد يتعارض مع الأمن القومي للبلاد”.
وتواجه مصر أزمة في نقص النقد الأجنبي منذ مارس/ آذار من العام الماضي، في أعقاب تأثرها سلبا بتداعيات موجة التضخم العالمي والحرب الروسية الأوكرانية، واللتان تسببا في خروج مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وارتفاع فاتورة الواردات من السلع الأساسية المستورد معظمها من الخارج.
وحاولت الحكومة مجابهة ذلك من خلال ترشيد الاستيراد، وزيادة موارد الدولة من تحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، وعوائد السياحة.
وكشف السيسي، الأربعاء، في تعليقه على حديث المشاركين بالمؤتمر الوطني للشباب بمحافظة الإسكندرية – شمال العاصمة القاهرة- عن رفضه لتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية “حتى لا يتسبب ذلك في زيادة سعر الدولار أمام الجنيه بمستويات أعلى من الحالية مما يتسبب في ضرر على الأمن القومي لمصر”، على حد تعبيره، نتيجة لارتفاع أسعار السلع،
وشدد الرئيس المصري على تمسكه برفض التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه “حتى لو تعارض ذلك”، دون توضيح المزيد من التفاصيل.
واتفقت مصر في أكتوبر/ حزيران الماضي، مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، مقابل تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يشمل التحرير الكامل لسعر الصرف، وبعدها انخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار ليصل في المتوسط 30.83 جنيه للشراء، و30.95 جنيه للبيع في البنك المركزي، واستقر على هذا السعر لعدة أشهر مما أدى إلى وقف صندوق النقد الدولي للمراجعة الدورية التي كانت مقررة في مارس الماضي، كما لم يتم صرف الشريحة الثانية والتي كان مقرر صرفها الشهر الماضي.
كما كشف السيسي عن احتياج بلاده إلى ما بين 80 إلى 90 مليار دولار لتلبية حجم الطلب على الاستيراد، موجها الدعوة لرجال الأعمال والشباب إلى الاستثمار في الصناعة لتقليل فاتورة الواردات، وزيادة الصادرات المصرية، مشيرا إلى أن هناك قائمة بـ150 سلعة مستوردة يمكن تصنيعها محليًا لتوفير 25-30 مليار دولار، وحال تنفيذ هذه الصناعات ستسهم في توفير فرص العمل وخفض البطالة وزيادة الناتج القومي.
وانخفض معدل البطالة في مصر بنسبة بسيطة إلى 7.1% خلال الربع الأول من عام 2023 مقابل 7.2% في الربع السابق له، ليصل عدد العاطلين إلى 2.171 مليون عاطل.
وعلق خبراء على إجراءات الحكومة المصرية لترشيد الدولار، حيث قال يسري عبد الوهاب، رئيس الاتحاد المصري للنقل الجوي الأسبق، إن عدد قليل من شركات السياحة المصرية تستغل نظام تذاكر “السوتو” للاستفادة من فروق سعر صرف الدولار محليا مما يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني، مؤكدا أحقية سلطة الطيران المدني في اتخاذ قرار وقف العمل بنظام السوتو، طبقًا للمهام الموكلة إليها بموجب القانون.
ويتيح نظام “السوتو” إصدار تذاكر سفر تبدأ وتنتهي خارج مصر دون أن يتضمن خط سير الرحلة أي نقاط داخل البلاد، وسبق أن تم وقف العمل بهذا النظام في أكتوبر عام 2016 – وقت أزمة نقص في النقد الأجنبي- وتم إعادته مرة ثانية في مارس من العام التالي بعد تحرير سعر صرف الجنيه وتوافر الدولار
واستبعد عبد الوهاب، في تصريحات خاصة ، تأثر شركات الطيران أو السياحة المصرية بقرار وقف العمل بنظام تذاكر”السوتو”، مضيفا أن “الحجوزات الأولية تشير لارتفاع كبير في أعداد السياحة الداخلية أو الوافدة من الخارج على المقاصد السياحية المصرية سواء من أوروبا أو أمريكا الشمالية أو دول الخليج، وأصبحت مصر محط أنظار العالم من السياح والمستثمرين من كل دول العالم”.
واستقبلت مصر 7 ملايين سائح خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الجاري، من بينهم 1.35 مليون سائح خلال أبريل/ نيسان الماضي- وهو أعلى مستوى سجلته مصر خلال شهر واحد في تاريخها، وتتوقع الحكومة أن تستقبل 15 مليون سائح خلال العام الجاري.
وقال الخبير المصرفي محمد بدرة إن البنك المركزي المصري قرر وقف استخدام البطاقات مسبقة الدفع في التعاملات الدولية لترشيد استخدام الدولار، والتصدي لمحاولات البعض استغلال وجود فروق في سعر الصرف ما بين السعر الرسمي والسوق الموازية لتحقيق مكاسب، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يصدر البنك المركزي قرارات مماثلة خلال أوقات نقص النقد الأجنبي، وقد يتم إصدار قرارات جديدة مشابهة خلال الفترة المقبلة.
ووفقا لما تداولته وسائل إعلام محلية، فإن 3 شركات أعلنت عن وقف استخدام البطاقات مسبقة الدفع في المعاملات الدولية، ويتم استخدام هذه البطاقات من خلال وضع الأموال فيها مسبقا مقابل السحب منها والقيام بالمعاملات المالية في إطار الرصيد المتاح بالبطاقة دون شرط فتح حساب بنكي.
وأضاف بدرة، في تصريحات خاصة ، أن قرارات وقف نظام تذاكر “السوتو”، والبطاقات مسبقة الدفع مؤقتة لحين عودة توفير الدولار في السوق المحلي، مشيرا إلى أن الحكومة والبنك المركزي يعملان على زيادة الحصيلة الدولارية من خلال بدائل عدة أهمها زيادة الصادرات المصرية، وترشيد الاستيراد وفي الوقت نفسه تعظيم موارد الدولة من قناة السويس والسياحة.
وارتفع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية للشهر الثامن على التوالي ليصل إلى 34.66 مليار دولار بنهاية شهر مايو/ أيار الماضي.