أثار الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق، عمرو موسى، تفاعلا واسعا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الكلمة التي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، الأربعاء.
ونشر موسى نص كلمته التي وصفها مغردون بأنها “رسائل نارية” للحكومة المصرية، بتغريدة على صفحته الرسمية بتويتر، وكان نصها كالتالي:
السيد/ رئيس الوزراء، السادة والسيدات الوزراء،
السيدات والسادة، المشاركون في الحوار الوطني…
أولاً أود أشكر مجلس الأمناء للدعوة التي وجهت إلي للمشاركة في هذا العمل الوطني الكبير، وأشكر السيد/ المنسق العام، صديقي وزميلي في لجنة الخمسين الأستاذ/ ضياء رشوان وكذلك المستشار/ محمود فوزي رئيس الأمانة؛ لما طرحوه أمامنا بشأن هذا لحوار وقواعده وإجراءاته.
الآن نبدأ في الحديث عن الموضوعات التي شغلت ولا تزال تشغل الرأي العام في مصر، غني عن البيان أنني أشارك باعتباري رئيس لجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري، ولكني أضيف إليها أنني أشارك كمواطن منشغل بأمر هذا البلد في تلك المرحلة الخطيرة والحساسة من تطوره ومن تطور ما حولنا والتطورات العالمية التي تؤثر فينا.
كنت واحداً من الذين تابعوا ثم ساهموا في مسار العمل الوطني السياسي بصفة خاصة طوال عقود طويلة، عايشت هذه السياسات بحلوها ومرّها طوال سنوات النصف الثاني من القرن العشرين؛ وانتقلنا إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين بمشاكل إضافية.. الحقيقة أنها لم تحل محل المشاكل القديمة ولكنها أضيفت إليها! ومن ثم فالإرث ثقيل، والأمر خطير، ويتعين علينا أن نتكلم بكل صراحة، وأن نطرح الرأي والرأي الآخر – كما ذكر السيد/ رئيس الجمهورية منذ لحظات، وكما أشار إليها السيد/ المنسق العام –
هذه المرحلة، مرحلة الاضطراب السياسي في مصر؛ انتهت عام ٢٠١٣، وبدأ عهد جديد من عام ٢٠١٤ كان عليه أن يتعامل مع هذا الإرث الثقيل، ويقيم قاعدة وسياسية من إصلاح الحال.
الواقع، أن الشعب المصري، الناس في مصر؛ يشعرون في هذه المرحلة بالكثير من القلق!
ويتساءلون…
يتساءلون عن السياسات المصرية، عن توجه مصر، عن الأزمات التي نواجهها، إنهم يخافون على مصير هذا البلد، ولا نريد أن نسأل ما يحاول البعض أن يطرحه: “مصر أن تكون أو لا تكون”
من هنا يتساءل الناس، ماذا جرى؟ ماذا يجري؟
“أين فقه الأولويات” في اختيار المشروعات؟
أين مبادئ الشفافية؟
ما هي حالة الديون المتراكمة؟ ومجالات إنفاقها؟ وكيفية سدادها؟
والاقتصاد كما نعلم متعب مرهق
الناس يتساءلون عن الحريات وضماناتها؟
عن البرلمان واداؤه؟
عن الأحزاب وأهليتها؟
الناس يتساءلون عن الاستثمار وتراجعه؟
بل وهروب الاستثمارات المصرية لتؤدي وتربح في أسواق أخرى!
الناس يتساءلون عن التضخم والأسعار؟
إلى أين وإلى متى
الناس يتساءلون هل سيطرت السياسات الأمنية على حركة مصر الاقتصادية فأبطأتها؟ أو قيدتها؟؟
هل شلت البيروقراطية المصرية حركة الاستثمار فأوقفتها؟
الناس يتساءلون عن مجانية التعليم؟
وتناقضها مع جودة التعليم!
الناس يتساءلون إلى متى تمضي الزيادة السكانية دون سياسات جريئة تضبطها؟
ثم كان الناس يتساءلون عن مصير المحبوسين احتياطياً؟
والذي آن الأوان في الواقع للتعامل المباشر والفوري والشامل مع هذا الملف لنغلق نهائياً ونتوجه إلى ما هو أهم وأبقى.
الإجابة يجب أن تكون صريحة وأمينة، ولو كانت صادمة:
— يجب إعداد الناس لمستقبل صعب —
وهذا واجب ومسئولية كافة مؤسسات الدولة، ومنها هذه المؤسسة؛ مؤسسة الحوار الوطني.
بل إني أرى بكل صراحة، أن نتائج هذا الحوار، وإن كانت من الطبيعي أن ترفع إلى رئيس الدولة، إلا أنني أرى أنها يجب أن تبلغ إلى الشعب عن طريق البرلمان ليناقشها. فإذا جاءت من الحكومة مقترحات محددة بناء على توصيات معينة من هذا الحوار، كان البرلمان على علم وعلى اطلاع على كل ما جرى من خلال الاطلاع على التقارير التي تقدم إليه رسمياً من هذا الحوار.
قد يتساءل البعض، وقد تساءل البعض في نقاشات كثيرة جرت…
وقد سبق وأن قلت في برنامج تلفزيوني مع أخي ضياء (ضياء رشوان) أن الحوار قائم داخل هذه القاعات، وفي كل مكان في مصر! في مقاهيها، في منتدياتها، في أحزابها، في نقاباتها، في جامعاتها، في تجمعاتها…
الكل يتكلم، الكل يتحدث..
أين نحن؟
ماذا جرى؟
كيف نصلح الأحوال؟؟
تساءلوا، هل من منجزات؟
أين المنجزات؟
طبعاً هناك منجزات…
تحدثنا عن الصعوبات، والمربكات، والسلبيات…
دعوني أذكر بعض النقاط المضيئة، الأساسية في مسيرة هذا البلد كما أراها:
نعم هناك مسارات وجسور تبنى
هناك معالجة لوضع العشوائيات،
ولكن يجدر العلم بأن العشوائيات ليست في القاهرة فقط. إن في كل قرية من قرى مصر عشوائيات، وكل مدينة ومركز في محافظات مصر يعاني من العشوائيات.
هذ أمر خطير، ويجب أن يكون في صدر ما يهتم به هذا الحوار: العشوائيات على مستوى الدولة كلها، لا بد من التعامل معها.
منها… عشوائيات القبح، والاعتداء على جمال المدن، وهو ما يجب أن يتوقف!
إن جمال المدن، والقرى من حسن إدارة الأمور.
ثانياً: نجح العهد ورئيسه، في إبعاد خطر الخلط المخيف بين السياسة والدين؛ ليكون الطريق ممهداً نحو الحكم المدني، الذي أكده الدستور، ونص عليه.
ثالثاً: نجح العهد كذلك في طرح تجديد التفكير الديني، كي يعلو الدين الحنيف،
بعيداً عن أهواء السياسة ومطباتها،
وبعيداً عن التطرف ودمويته،
وفي هذا أشير إلى التطور التاريخي الجريء في هذا المجال، والذي يتم في المملكة العربية السعودية حالياً.
كذلك أود أن أشير إلى مبادرة هامة، قدمها الإمام الأكبر، شيخ الأزهر؛ منذ حوالي ثلاثة شهور، بعد لقائه مع بابا الڤاتيكان في هذا العمل المشترك بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية لبناء تفاهم على المستوى العالمي.
تقدم شيخ الأزهر بمبادرة قال فيها: إن الوقت حان لحوار سني شيعي تحت عباءة الأزهر، حتى نقضي على تلك الفجوة التي لعبت فيها شياطين الإنس والجن، ولا تزال..
إذاً نحن أمام مبادرتين هامتين، رئيسيتين؛ تعملان على تجديد الفكر والممارسة الدينية.
ولكن يجب أن نعطي الحق لصاحب الحق في هذا،
لقد كان أول من أثار تجديد الفكر الديني هو الرئيس/ عبد الفتاح السيسي.
وبناء عليه فالأمور تتحرك، سواء هنا أو هناك.
ثم رابعاً: أعلت الدولة، الحكومة، الرئيس؛ قيم المواطنة، وأنه لا تفرقة بين مواطن وآخر بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو المكان الجغرافي كما نص الدستور.
وهذا تقدم عظيم لا شك فيه!
خامساً: تأهيل سيناء، وفتحها للمواطنين للعيش فيها، والتحرك الحر منها وإليها.
مع الحفاظ على طابعها الخاص، وعلى أماكنها المقدسة مثل الوادي المقدس طوى، ومسار السيدة/ مريم ووليدها المسيح عليه السلام في زيارتها لمصر، ثم في عودتها إلى فلسطين.
وسادساً: أعطى الفرصة للمجددين في مجالات عدة، أشير فيها هنا إلى مجال التعليم.
وهو نهج مهم، أن تعطى الفرصة للمبادرين، للمفكرين، ليطرحوا، وربما أيضاً لينفذوا خططاً تعالج مشاكل أساسية في مصر.
أقول هذا نهج مهم، بصرف النظر عن نتائجه المؤقتة، أو الأولية.
ثم سابعاً، وليس أخيراً: تقدم بالمرأة المصرية إلى الصفوف الأولى،
تطبيقاً للدستور الذي نص على أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما أعطى للشباب دوره في جنبات الحكم،
وصار الكثير من الشباب يجلس على رأس مؤسسات هامة، وصناديق ومصالح وطنية كبيرة.
وهو تقدم اجتماعي لا شك فيه.
هذا بعضٌ من الإنجازات التي يجب أن تذكر، ولكنها لا تذكر كما يجب!
التركيز على إنجاز معين يعني، فيما قد يعنيه؛ إلغاء الاهتمام بالإنجازات الأخرى…
إنما هذه الإنجازات التي أشرت إليها، إنجازات رئيسية في مسار الفكر المصري،
سواءٌ بالنسبة للسياسة والدين،
أو بالنسبة لإصلاح الفكر الديني،
أو بالنسبة للمرأة والشباب،
أو بالنسبة للمدن،
أو بالنسبة للأوضاع الاجتماعية في مصر.
آمل أن تسجل هذه التساؤلات التي نقلتها إلى مجلس إدارة الحوار، أو حاولت أن أنقلها اليوم.
تساؤلات مهمة، تساؤلات لا يتوقف الناس عن مناقشتها، بل عن افتقادها، مثل حرية الرأي والرأي الآخر؛ والذي نبدأ اليوم في التعامل معه بطريقة مختلفة – كما آمل، وكما يأمل المصريون جميعاً –
الطريق صعب،
التحديات خطيرة حقاً، غير مسبوقة،
ولا أقول أن التحديات كلها تأتي من الخارج..
هناك تحديات بسبب أخطاء في الداخل!
يجب أن نكون صرحاء أن نعالجها، ونعالجها بسرعة.
وأنا من المتفائلين، لأن قدرة الشعب المصري، وتجارب الشعب المصري، وآمال الشعب المصري،
يمكنها أن تحدث النقلة المطلوبة،
وأن تقف في وجه التهديد بالانهيار،
سواء كان هذا اقتصادياً أو مجتمعياً…
بصفة خاصة، أمر ووضع الطبقة المتوسطة التي يتراجع دورها،
رغم أنها هي قبان الميزان في المجتمع المصري،
يجب أن نعطي الطبقة الوسطى اهتماماً باستقرارها، برخائها،
وأن يفتح لها باب الإنجاز، باب الإبداع، وباب قيادة المجتمع، سواء كان فيما يتعلق بالحقوق المدنية، أو بالحركة الاقتصادية، أو بالوضع الاجتماعي.
أختم كلمتي المختصرة هذه بأن أقول:
فلتحيا مصر… يا رب