– تعد الموسيقى الإلكترونية والأضواء القوية والوجوه البراقة ومئات آلاف الأشخاص من الجنسين يشاركون في احتفالات معا جزءًا من نوع جديد من الطقوس في المملكة العربية السعودية لم تكن موجودة قبل 3 سنوات فقط.
مهرجان “ميدل بيست ساوند ستورم” الموسيقي الذي بدأ دوراته في المملكة عام 2019، عاد مرة أخرى للعام الرابع من الخميس إلى السبت الماضيين.
في غضون 5 سنوات فقط منذ أن رفعت المملكة العربية السعودية الحظر المفروض على الأحداث الموسيقية، يمكن القول جدلا إن مشهد الحفلات الموسيقية في المملكة قد تفوق حتى على مشهد دبي، التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها مركز الترفيه الأول في منطقة الخليج.
شهدت الدولة، التي تُعرف بأنها مهد الإسلام أكثر من كونها عاصمة صاخبة، تحولًا هائلاً منذ أن تولى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان السيطرة على الإدارة اليومية للمملكة في عام 2017. ويعد “ساوند ستورم” أحد الرموز التي برزت لهذا التغيير.
يذهب مئات الآلاف من الأشخاص من جميع أنحاء المملكة العربية السعودية والمنطقة إلى موقع صحراوي خارج العاصمة الرياض للاستماع إلى بعض أهم الأعمال الغربية والعربية، على مدار ثلاثة أيام كل شتاء.
الحفلات الصاخبة مظهر من مظاهر الروح الكامنة وراء التحول الاجتماعي والاقتصادي في المملكة العربية السعودية، وفقًا لآنا جاكوبس، كبيرة المحللين في مركز أبحاث Crisis Group. وقالت إنها “مثال قوي بشكل خاص لأنها تسعى إلى الجمع بين الشباب والفتيات من جميع أنحاء المملكة العربية السعودية والعالم”.
دافيد غيتا، وبوست مالون، وبرونو مارس هم مجرد عدد قليل من النجوم الذين يقدمون عروضًا في حدث هذا العام، والذي يفخر بكونه “المهرجان الأعلى صخبًا في المنطقة”. تبلغ تكلفة التذاكر بين 149 ريالا (حوالي 40 دولارًا) لليوم الواحد و6699 ريالًا (حوالي 1800 دولار) لثلاثة أيام لتذاكر الـVIP.
وبحسب تقارير، فقد استقبل المهرجان 730 ألف شخص في العام الماضي. على النقيض من ذلك، فإن مهرجان Electric Daisy Carnival في لاس فيغاس، والذي يُعد أكبر مهرجان للموسيقى الراقصة في أمريكا الشمالية، قد حضره أكثر من 400 ألف شخص هذا العام.
كان من غير الممكن تصور حدث مثل “ساوند ستورم” في البلاد قبل 6 سنوات فقط، حين كانت الشرطة الدينية تجوب الشوارع وتنتقد السعوديين لاختلاطهم بالجنس الآخر أو انتهاك الأعراف الاجتماعية. لكنه الآن جزء من مبادرة التحرر التي يقودها محمد بن سلمان. وترافق سلسلة من الخطوات لتخفيف القواعد الاجتماعية، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة وكبح جماح الشرطة الدينية.
أنشأت المملكة العربية السعودية في عام 2016 الهيئة العامة للترفيه جنبًا إلى جنب مع رؤية 2030، وهي خطة ولي العهد لتنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط، الذي يمثل أكثر من نصف عائدات الحكومة. كان من بين أهدافها مضاعفة إنفاق الأسر على الأنشطة الثقافية والترفيهية داخل المملكة. تشهد الرياض الآن أكثر من 64 مليار دولار في الاستثمار الترفيهي، وفقًا لما أوردته صحيفة “عرب نيوز”، مع تخصيص نسبة كبيرة منها لصناعة الموسيقى الحية.
تفخر رؤية 2030 بتقديم “ترفيه على مستوى عالمي” وتقول إنها نظمت ما يصل إلى 3800 حدث ترفيهي في البلاد، حضرها أكثر من 80 مليون شخص.
قال الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي إن “المبدأ الأساسي للسماح بالمهرجانات هو تزويد الشباب بالترفيه المحلي وفرص السياحة المحلية حتى لا يضطروا للسفر إلى الخارج بحثًا عن المتعة”.
وأضاف الشهابي أن بعض المحافظين قد يجدوا المهرجان غير مقبول، ولكن بالنظر إلى أن الشباب يشكلون غالبية سكان البلاد، فإنهم يظلون المستفيدين الأساسيين.
يبلغ عمر حوالي ثلثي سكان المملكة العربية السعودية 34 عامًا أو أقل، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء السعودية. يقول المحللون إن الشباب هم الذين يحتاج محمد بن سلمان إلى إرضائهم، وليس المحافظين.
لا يزال الكحول ممنوعًا في المملكة، وكذلك العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء غير المتزوجين.
ومع ذلك، لا يخلو المهرجان من انتقادات واتهامات دولية بتبييض سجل حقوق الإنسان في المملكة. قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، العام الماضي، إنه على الفنانين إما أن “يرفعوا الصوت” حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية أو عدم حضور المهرجان على الإطلاق.
قالت جوي شيا، باحثة في هيومن رايتس ووتش : “أنفقت المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهية وثقافية ضخمة في (محاولة) متعمدة لتبييض سجل حقوق الإنسان السيئ للبلاد، ومهرجان ساوند ستورم الموسيقي ليس مختلفًا. يرافق إنشاء صناعة الترفيه المحلية في البلاد موجات من الاعتقالات التعسفية للمعارضين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمواطنين السعوديين العاديين”.
ورفض الشهابي الادعاء بأن المهرجان يستخدم لتبييض سمعة السجل الحقوقي للبلاد، قائلاً إنه “لا علاقة له بأي صورة عالمية ويركز فقط على خدمة الاحتياجات المحلية”.
لم يستجب منظمو “ساوند ستورم” من “ميدل بيست”
ومع ذلك، يجادل البعض بأن انفتاح البلدان على المعايير والقيم الدولية يمكن أن يسمح بمناقشة أفضل حول أوجه القصور في حقوق الإنسان.
قالت جاكوبس: “أعتقد أن هناك طريقة لهذه الأحداث الدولية الكبرى -سواء كانت كأس العالم في قطر أو المهرجانات الموسيقية في المملكة العربية السعودية- للمساعدة في فتح الخطاب العام للنقاش النقدي”.
وأضافت: “يمكنهم المساعدة في تنمية النقد الصحي والنقاش حول قضايا حقوق الإنسان في المنطقة، ومع استمرار الخليج في ترسيخ مكانته كمركز ثقل في المنطقة، أعتقد أن هذا ما سنراه”.