قانون المحكمة الإتحادية الخطوة الأولى للبرنامج الإصلاحي لمجلس النواب
مقال للصحفي: وسام رشيد الغزي
تعدُّ المحكمة الاتحادية السلطة القضائية الأعلى في العراق، وأصبحت كذلك بعد انفصالها عن مجلس القضاء الأعلى عام 2013، وتعدُّ قراراتها مُلزِمة لجميع السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد، وليس لأي جهة الحق في نقض ما يصدر منها، فكلمتها هي الفصل بين المتنازع عليه، ويُحسم من خلالها الجدل.
تتكون المحكمة من ثمانية أعضاء فضلاً عن الرئيس، وتجتمع بنصابٍ كامل، وتتمتع باستقلالية التصرف المالي والإداري فيما عدا القرار القضائي، مهمتها الأساسية فك قيود وتفسير الالتباس من تفسير مواد الدستور، وتسهيل معرفة المتغيرات، والمستجدات على الساحة السياسية، والعملية الدستورية لا سيما الانتخابية، وتكتسب شرعيتها من خلال المصادقة عليها.
ليس لأحدٍ أن يعترض، أو يتساءل حول جدوى انعقاد جلساتها، وتستند لقانون إدارة الدولة الانتقالية لعام 2005 قبيل إقرار الدستور الذي ألزم البرلمان في المادة الخامسة منه بتنظيم عمل المحكمة الاتحادية بقانون، إلا أن ذلك لم يحدث الى الآن، لأسباب تتعلق بإرادة الكتل السياسية، وعدم تبلور رؤية نهائية لإدارة الدولة على وفق المسارات التي حددها الدستور، وصوّت عليها الشعب.
أما مجلس القضاء الأعلى المستند لقانون عام 1979 المسمّى مجلس شورى الدولة أو (مجلس الدولة)، فقد ظل بعيداً عن التدخل بقرارات المحكمة، وعمل أعضائها، حتى إحالة أحد قضاتها الى التقاعد بنهاية عام 2019، إذ صرّح رئيسه (بصفته الشخصية كـقاضي) إن نصاب اجتماع الجلسة قد اختلَّ، ممّا يترتب على ذلك من خللٍ في المصادقة على القرارات والأحكام المتعلقة بالحكم.
ولصعوبة المرحلة واعتبارات تعلق بالسيادة القضائية، لم يتم التركيز مجدداً حول صحة قراراتها في ظل غياب النصاب الكامل، وأهمية قرارها بهذه المرحلة الصعبة من تأريخ العملية السياسية، فالمصادقة على مفوضية الانتخابات، واستكمال عملية الاقتراع في العراق يتطلب بشكل حاسم مصادقة المحكمة الاتحادية العليا، واختلال النصاب يفتح الباب أمام كثير من التكهنات والتشكيك، ومن ثم ينعكس سلباً على مدى تقبل القرار في الشارع المترقب.
وعلى الرغم من أن رئيس المحكمة قد أعد مجلساً آخر من القضاة المتقاعدين لاختيار عضواً بالمحكمة وإكمال النصاب، إلا أن هذا الإجراء لم يكن مقنعاً لمجلس القضاء الأعلى، والمهتمين من جمهور القانون الدستوري، فقد عده بعضهم (اجتهادا قانونياً غير مستند لنص)، ولم يوقف هذا الإجراء الضغوطات التي تتعرض لها السلطة القضائية لضرورة استكمال نصابها كونها من مستلزمات المصادقة على نتائج الانتخابات.
من هنا تنبع ضرورة إقرار مجلس النواب لقانون المحكمة الاتحادية ليتسنى إكمال الفراغ القانوني المتعلق بغياب أياً من أعضاءها التسعة، فضلاً عن إن القانون يجب أن يوضّح هيكلية المحكمة وطبيعة اجتماعاتها وطرق دراسة وإقرار ما تتخذه من قرارات، والحدود اللازمة لاستقلاليتها، ورقابتها المالية، والجهات الموكلة بذلك.
مجلس النواب ملتزم وعازم هذا المرة على تنفيذ المادة الخامسة من الدستور الخاصة بإقرار قانون المحكمة الاتحادية قبل خمسة عشر عاماً. وهنالك محاولات حثيثة لبعض الكُتل السياسية داخل مجلس النواب لعرقلة قراءة القانون بغرض إقراره، الكُتل التي تقف بالضد من وضع نهاية لكل الجدل القائم حول الأهمية القصوى لقرارات المحكمة في مسيرة العملية السياسية.
ما يبدو إن بعض القوى النيابية لا تريد الذهاب لانتخابات مبكرة، بل إنها أصلاً تعطل الاستحقاق الانتخابي برمته، ومواعيده الدستورية، محاولة منها لكسب الوقت من أجل إعادة بناء ما مُنيت به من هزائم، إلا إنها تصطدم بإرادة أخرى من قبل عدد كبير من النواب، ومن مختلف الكتل، وهذا التوجه منسجم مع تطلعات عامة الشعب الذي يتأمل أن يقر المجلس عدة قرارات تضع البلاد على خط الإصلاح والتغيير.