يعد صعود ريشي سوناك إلى أعلى منصب في السياسة البريطانية أمرا لافتا للنظر، فقبل 7 أسابيع فقط تعرض للهجوم بشكل شامل من قبل ليز تراس خلال التنافس على قيادة حزب المحافظين.
والتقى سوناك، الثلاثاء، الملك تشارلز الثالث في قصر باكنغهام، حيث عينه رسميا رئيسا للوزراء وكلفه بتشكيل الحكومة.
ويواجه ريشي سوناك الذي شغل منصب وزير مالية في حكومة بوريس جونسون لمدة عامين ونصف، مهمة لا يحسد عليها تتمثل في انتشال أمة مترنحة بعد فترة ليز تراس الكارثية.
ومن العدل أن نفترض أنه سيفعل ذلك من خلال تنفيذ الخطة الاقتصادية التي حددها خلال محاولة قيادته الفاشلة في وقت سابق من هذا العام.
وانتقد سوناك خطط تراس لخفض الضرائب وتمويل الإنفاق اليومي من خلال الاقتراض، قائلا إن ذلك سيسبب فوضى اقتصادية.
وقد ثبت أنه على صواب عندما نفذت حكومة تراس خططها في “ميزانية مصغرة”، مما تسبب في انخفاض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ عقود وانهيار أسعار السندات، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض ودفع صناديق التقاعد إلى حافة الإفلاس.
وكما توقع سوناك أيضا، أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري، وسارع المقرضون لسحب منتجاتهم من السوق، محطمين آمال العديد من مالكي المنازل المحتملين بين عشية وضحاها تقريبا.
وكانت سمعة بريطانيا الدولية قد تضررت بالفعل قبل أن تتولى تراس منصبها.
فالفضائح التي لا نهاية لها والتي أجبرت جونسون في نهاية المطاف على التنحي، بالإضافة إلى تهديداته المتكررة بخرق القانون الدولي بشأن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي وافق عليه شخصيا مع الاتحاد الأوروبي، لم تجعل قادة العالم ينظرون للمملكة المتحدة بعين الاستحسان.
وهذا لا يعني أن المملكة المتحدة ليست حاضرة على المسرح العالمي.
فعلى سبيل المثال، دعم الحكومة البريطانية لأوكرانيا، أكسب بريطانيا- وخاصة جونسون- المديح من القادة الغربيين الآخرين.
وكتب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون في موقع “بوليتيكو”، يوم الاثنين، أن “بريطانيا كانت القوة الأجنبية الرائدة في دعم أوكرانيا، في ظل السلطة الثلاثية لرئيس الوزراء بوريس جونسون، ووزيرة الخارجية ليز تراس ووزير الدفاع بن والاس، وكانت لندن في طليعة العزيمة السياسية والقيادة”.
ويمكن أن يعزى نجاح سوناك بشكل مباشر إلى الفوضى التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية.
ويُنظر إليه على أنه الشخص المناسب، بعد أن نال ثناء واسعا على تعامله مع الاقتصاد خلال جائحة كوفيد19، حيث ساعد الشركات والمواطنين من خلال برامج الإنفاق الحكومي الكبيرة التي أنقذت العديد منهم، ووظيفته الآن واضحة: أن يجلب الهدوء.
ولسوء حظ سوناك، فقد ورث حزبا سياسيا قضى السنوات القليلة الماضية في تمزيق أجزاء منه.
فقد شهد حزب المحافظين في عام 2022 انقسامات في الولاءات ما جعله غير قابل للسيطرة من قبل جونسون وتراس، فالحزب منقسم على نفسه لعدة تيارات أكثر من اليسار واليمين، لكن من المرجح أن يواجه سوناك الصعوبة الأكبر مع الجناح الشعبوي المؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي عن الجانب العاشق لجونسون.
وقالت سلمى شاه، مستشارة حزب المحافظين السابقة، : “الحقيقة هي أن العناصر الأصعب في اليمين المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما لم تدعم أي شخص لأنهم يعلمون أن هناك خلافا قادما مع رئيس الوزراء الجديد بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وأضافت: “ستكون إحدى الأولويات القصوى لسوناك هي التفاوض على بروتوكول أيرلندا الشمالية (جزء متنازع عليه من صفقة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). إذا لم تبدأ في العمل معهم، فيمكنهم أن يكونوا ضدك”.
ويمكن لسوناك إما تجاهل أو استرضاء هؤلاء الأشخاص، ولكن قد يعني ذلك أنه سيدفع الثمن.
وذكرت سلمى شاه: “يمكنه محاولة تحييد الأشخاص من ذلك الجناح في الحزب الذين لن يغفروا له خيانة بوريس جونسون أو من خلال تعيين حكومة ترضيهم، ومن المحتمل أن يعني ذلك ابتلاع كبريائه وإيجاد شيء يفعله لبوريس وليز تراس”.
وإذا لم يفعل ذلك ، فقد يتسبب جونسون خلال وجوده في المقاعد الخلفية في مشاكل لسوناك، إذا كان في حالة مزاجية للانتقام.
وقال تيم بيل، أستاذ السياسة في جامعة كوين ماري: “من المفترض أنه لن يضعه في الحكومة مما قد يعني أنه يسبب مشاكل خلال وجوده المقاعد الخلفية، أعتقد أن عليهم أن يأملوا في أن يتخلى سوناك عن منصبه ويذهب لكسب المال”.
وأضاف بيل: “قد تكون إدارة الحزب أمرا بعيدا عن متناول سوناك في المستقبل القريب لكن الشيء الراسخ في موهبته هو السياسة الاقتصادية والتعامل مع الشركاء الدوليين، فهو شخص يتمتع بخبرة عالمية كبيرة خارج السياسة ويتعامل أيضا مع شخصيات عالمية كمستشار، وهو محاور يعرف عما يتحدث عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد لذلك أعتقد أن هناك كل فرصة للترحيب به من قبل المجتمع الدولي ليس فقط إذا كان بإمكانه تسوية الاقتصاد ولكن أيضا السياسة البريطانية”.
وفي عالم مثالي، قد يتحقق الاستقرار الاقتصادي ومعه الاستقرار السياسي، لكن المراقبين القدامى للسياسة البريطانية يعرفون أن الاثنين لا يسيران جنبا إلى جنب دائما.
وقالت فيكي برايس، الرئيسة المشتركة السابقة للخدمات الاقتصادية الحكومية في المملكة المتحدة: “سيتعين عليه تنفيذ السياسات بسبب ميزانية تراس المصغرة التي لن تحظى بشعبية سياسية مع مجموعات مختلفة لأسباب مختلفة”.
وأضافت برايس أن هذا قد يعني تقشف موازنة، وفرض ضرائب مفاجئة على شركات الطاقة، وعكس فكرة تراس لإزالة القيود المفروضة على مكافآت المصرفيين.
وتابعت: “عليه أن يوازن بين السياسات التي يمكن أن تثير غضب النواب المحافظين ضد السياسات التي يمكن أن تقلب الجمهور ضده”.
من جانبهم، يشعر النواب والمستشارون المحافظون بمزيج من الارتياح والغضب والقلق والهزيمة في بعض الحالات.
ويعتقد البعض أن الشعب سيقدر قليلاً من الهدوء والسكينة من الفوضى السياسية، فيما يعتقد البعض الآخر أن الرجل الذي أسقط جونسون استطاع أن يشق طريقه.
ويظن البعض أيضا أن سوناك سيكون ضعيفا للغاية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفيما يعتقد آخرون أنه خسر الانتخابات المقبلة بالفعل.
ومن الناحية النظرية، هناك ما لا يقل عن عامين حتى إجراء الانتخابات العامة المقبلة، وهذا أكثر من الوقت الكافي لسوناك لإدارة البلاد واستعادة شعبية حزب المحافظين في الاستطلاعات لكنه يحتاج أن يشرك حزبه معه.
وإذا كانت الأسابيع القليلة الماضية ستمر، فقد يصبح رئيس الوزراء الجديد زعيما محافظا آخر يضطر إلى قضاء المزيد من الوقت في إدارة السياسات الداخلية لحزبه بدلا من التعامل مع المشكلات الهائلة التي تواجه بلاده.