الحكومة العراقية بين إخفاقاتها القانونية و الدستور الجامد
مقال للصحفي و طالب كلية القانون : جاسم العامري
يتعارض دستورنا الحالي مع أسس القانون
من القواعد الثابتة في فقه القانون العام إن السلطة التشريعية تعد صاحبةالاختصاص الاصيل للتشريع في الدولة
وفقاً لأسس القانون الاساسية
التشريع القانوني يُقسم الى ثلاث أنواع
التشريع الدستوري ( الوثيقة القانونية الدستور )
التشريع العادي ( تشريع السلطة التشريعية البرلمان)
التشريع الفرعي ( اللوائح و التعليمات الحكومية)
و من المبدأ القانوني أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الاصيلللتشريع سواء كانت قرارات أو قوانين ، فيجب أن لا تتعارض التشريعاتالفرعية مع التشريعات العادية (البرلمانية ) ،
أدناه سأوضح قانوناً صلاحيات الحكومة و مجلس الوزراء بأستقطاع اوتخفيض الرواتب ، اذا إرادات الحكومة الذهاب للتخفيض اوالاستقطاع منرواتب المتقاعدين او الموظفين فيجب ان تمتلك حق التشريع ، و أعطيتللسلطة التنفيذية حق التشريع في بعض المسائلاستثناءً بواسطة الأنظمةالتي تسمى في بعض الدول “اللوائح” والأنظمة عبارة عن قرارات إداريةتنظيمية تضع بموجبها الإدارة قواعدقانونية جديدة عامة ومجردة تطبق علىعدد غير محدود من الحالات والأفراد ، وتصدرها الإدارة وفقاً للدستور ، لأنالتشريعات الفرعية(الأنظمة) هي سلطة استثنائية تتمتع بها الإدارة فيميدان التشريع ، لذا فلا بد أن تستند إلى أساس دستوري أي يجب أنينص عليهاالدستور بانها ممكنة الاصدار من السلطة التنفيذية ، وهذهالانظمة منها ما يصدر في ظل الظروف الاعتيادية الطبيعية كالأنظمةالخاصةبتنفيذ القوانين وتلك الخاصة بإنشاء وإدارة وتنظيم المرافق العامةفي الدولة ، ومنها ما يصدر في ظروف غير اعتيادية استثنائية ومنهاأنظمةالضرورة والأنظمة أو اللوائح ، وعادة ما تكون هذه الانظمة متمتعة بقوةالقانون رغم انها صادرة من السلطة التنفيذية ولك بشرط أن ينصعلى ذلكالدستور نفسه ، فلا يمكن افتراض هذه القوة القانونية لها افتراضاً ، وفيخضم ما يمر به العراق من ظروف سياسية واقتصاديةواجتماعية بالغة ،ذهبت الحكومة ( وزارة المالية ) الى استقطاع في رواتب المتقاعدين حيثتعتبر هذهِ مخالفة قانونية مالم تحصل الحكومة على تفويض تشريعي ، لذلك سأوضح مفهوم التفويض التشريعي من الناحيتين من الناحية القانونيةالعامة ، و من ناحية تحليله وفقالدستور العراقي
أصوله الدستورية العامة أولاً : مفهوم وتنظيم التفويض التشريعي : قد يقومالبرلمان بتفويض رئيس السلطة التنفيذية رئيس الدولة أو رئيسالوزراءممارسة وظيفته التشريعية ، فيحل بذلك رئيس التنفيذية محل البرلمان فيمباشرة هذهِ الوظيفة في الحدود التي يبينها قانون التفويضويترتب على ذلكأن تكتسب قرارات رئيس السلطة التنفيذية خصائص وقوة العمل التشريعيالصادر من البرلمان ، أي القانون ، وتكون لهاان تُنشئ أو تعدل أو تلغيقواعد قانونية قائمة تعالج موضوعات معينة منصوص عليها في قانونالتفويض ، وبذلك فان التفويض التشريعييمكن أن نعرفه بأن يعهد البرلمانبممارسة بعض اختصاصاته التشريعية الى السلطة التنفيذية لمدة زمنيةمحددة وبموضوعات محددة فيقانون التفويض ،
وقد اتجهت الدساتير التي تبنت فكرة التفويض التشريعي صراحة إلىتنظيمها في ثناياها ومن بين تلك الدساتير نجد الدستور الفرنسي لعام1958 قد نص في المادة (38) بان (للحكومة في سبيل تنفيذ برنامجها انتطلب من البرلمان تفويضها بأن تتخذ عن طريق الاوامر خلالمدة محدودةتدابير تدخل عادة في القانون ، ويتم إقرار الاوامر في مجلس الوزراء بعداخذ رأي مجلس الدولة وهي تسري بمجرد نشرها و لكنها تصبح لاغية إذا لميقدم مشروع قانون التصديق عليها إلى البرلمان قبل انتهاء التاريخ المحددفي قانون التفويض ، ولا يمكن إقرارهاالا بشكل صريح وبانتهاء المدةالمذكورة في الفقرة الأولى لهذه المادة لا يمكن تعديل الاوامر في الموادالداخلة في مجال التشريع الا بقانونوذلك في المواد التي تدخل في النطاقالتشريعي) .
ثانياً :شروط صحة التفويض التشريعي: واذا كان ما تقدم هو موقفالدساتير من تبني فكرة التفويض التشريعي صراحة ، فلا بد لي منبيانأهم شروط التي هي في حقيقتها قيود لممارسة السلطة التنفيذيةلأختصاصها في اصدار اللوائح التفويضية
وهي كالآتي
البند الاول
الشروط المتعلقة بظروف ممارسة التفويض التشريعي : تشترط لممارسةالتفويض التشريعي ان توجد ظروف غير اعتيادية تسوغ ممارسةهذاالاختصاص وإن لم يشترطه الدستور صراحة ، فالوضع الدستورييقضي بأن يكون التفويض لمدة محددة ، والتفويض لا يكون فيالظروفالعادية وانما يرتبط بالظروف الاستثنائية وعليه فإن تطبيق التفويضالتشريعي لابد ان يكون في ظل ظروف غير عادية (استثنائية) .
البند الثاني
الشروط المتعلقة بالمفوض والمفوض إليه : هنالك شروط لا بد من تحقيقها فيالمفوض أي البرلمان فلابد أن يكون هذا الاخير منعقداً وانعقادالبرلمان هو مايميز حالة اللوائح التفويضية عن غيرها من اللوائح التي تصدرها السلطةالتنفيذية لممارسة الوظيفة التشريعية في ظل الظروفالاستثنائية ، غير انهذا لا يعني ضرورة استمرار انعقاد البرلمان طول مدة التفويض ، وفضلاً عنانعقاد البرلمان فلابد ايضاً من صدورالإذن من البرلمان بالتفويض التشريعيهو يصدر بشكل قانون يُسمى ” قانون التفويض ” تتبع في اصدارهالإجراءات التشريعية ذاتهاالمعمول بها ، فالبرلمان لا يفوض الحكومة من تلقاءنفسه لتنظيم المسائل المختص بها وإنما لابد ان يتم ذلك بطلب من الحكومة.
أما بالنسبة لما يتعلق من شروط بالمفوض اليه أي رئيس السلطة التنفيذية اواي وزارة من السلطة التنفيذية فلابد من الحصول على اذن منالبرلمانلممارسة سلطتها في اصدار اللوائح التفويضية ، وقد يتوجب على رئيسالدولة استشارة جهات معينة .
البند الثالث
الشروط المتعلقة بمدة وموضوع التفويض: وتنقسم هذه الشروط إلى نوعيناحداهما يتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن خلالها لرئيس السلطةالتنفيذية انيصدر اللوائح التفويضية بناءً على تفويض البرلمان له ،
والاخرى تتضمن بيان الموضوعات التي يجوز له ان يتناولها بالتنظيم بموجبقانون التفويض :
ان يكون التفويض لمدة محدودة : لابد تحديد المدة الزمنية للوائح التفويضيةتحديداً دقيقاً ويرجع السبب في ذلك إلى حرص المشرعالدستوري على عدماستمرار التفويض لأجل غير مسمى كونه امراً استثنائيا عارضا فهو يعدخروجا على مبدأ الفصل بين السلطات ، ولذلكفإن عدم تحديد القانون مدةالتفويض يجعله باطلاً،
لذا فلا يجوز للبرلمان ان يجعل تحديد مدة التفويض من تقديرات السلطةالتنفيذية وذلك عن طريق ربطها بتحقيق الهدف من التفويض وهو(تنفيذبرنامجها) ، وإنما يجب ان يحدد قانون التفويض تحديداً دقيقاً ، المدة التيتؤهل خلالها الحكومة في اتخاذ تدابير تعود لمجال القانون، ومما يلاحظ انمدة التفويض يجب ان لا تستغرق المدة الباقية لنيابة البرلمان لأن ذلك يعدنزولاً فعليا عن سلطته التشريعية ومن باب اولىالا تمتد هذه المدة إلى ولايةالمجلس الجديد ، فإذا خلا قانون التفويض من تحديد هذه المدة أصبح باطلاًلفقده أحد شروطه الأساسية ويجوزالطعن بعدم الدستورية ، وهذا التشديدفي ضرورة تحديد مدة قانون التفويض متأتٍ من كون التفويض التشريعييعد امراً استثنائياًعارضاً وخروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات ولذلكيتعين ان يكون هذا الخروج مؤقتا حتى لا يختل التوازن بين السلطات ،
أن يكون التفويض محدد الموضوعات:
ان موضوعات قانون التفويض يجب ان تكون محددة الغرض ، فلابد انيحدد قانون التفويض وبدقة ماهية الموضوعات التي سيتناولهاقانونالتفويض وبالتالي ما ستنظمه الحكومة في لوائحها التفويضية فإذا لميكن قانون التفويض محدد الموضوعات الداخلة فيه عد ذلك سلطةمطلقةللسلطة التنفيذية في التشريع فالتفويض يجب ان يكون جزئياً ينصب علىموضوعات محددة أما التفويض الكلي فأنه غير جائز لأنهيعد بمثابة تنازلمن البرلمان عن اختصاصاته التشريعية وهذا ما لا يملكه ، ولابد ايضاً منتوضيح الاسس التي تقوم عليها اللوائحالتفويضية وتتضح هذه الاسس فيضوء الاسباب الدافعة إلى صدور التفويض التشريعي ذاته ، وعدم تحديدالموضوعات الداخلة في قانونالتفويض يعني التفويض المطلق لرئيس السلطةالتنفيذية في اصدار اللوائح التفويضية في أي موضوع ، وهذا يعني تخليالبرلمان عناختصاصه في التشريع ، وهو امر غير جائز دستورياً ، ويلاحظانه لابد من استحصال هذه الموضوعات المحددة في قانون التفويضوعلىسبيل الحصر اتصالاً وثيقاً بالضرورة والاحوال الاستثنائية
البند الرابع
الشرط المتعلق بعرض اللوائح على البرلمان: لقد تطلبت الدساتير المذكورةوجوب عرض مشروع قانون التصديق على القرارات التفويضيةالصادرة عنالحكومة على البرلمان قبل نهاية مدة التفويض ويترتب على عدم عرضها زوالما كان لها من قوة القانون ومن ثم انهاء اثارهاواعتبارها ملغية ، فإذا تمعرض هذه القرارات على البرلمان فأن هذا العرض في ذاته لا يغير منطبيعتها القانونية كقرارات ادارية مما يجعلباب الطعن مفتوحاً تجاههابالإلغاء ، وبذلك تظل قابلة للمراجعة لتجاوز حد السلطة والدفع بعدمقانونيتها ، فلابد من الرجوع إلى البرلمانصاحب الاختصاص الاصيل فيالتشريع في نهاية مدة التفويض ليقول كلمته في تلك اللوائح ، وهذا يتطلببطبيعة الحال ان يكون البرلمانموجوداً أما إذا انتهت مدة التفويض ولم يكنالبرلمان قائماً يجب عرض هذه اللوائح (القرارات بقوانين) على المجلس الجديدفي أول اجتماعله ، فإذا عرضت هذه اللوائح على مجلس النيابي فقد يرىالموافقة عليها وذلك بأن يُصادق عليها ويسبغ عليها قوة القانون ، وقديرفضصراحة الموافقة عليها وفي هذه الحالة يزول ما كان لها من قوةالقانون
الفرع الثاني
التفويض التشريعي في دستور العراق لعام 2005
سأبحث مدى وجود فكرة التفويض التشريعي وفقاً لنصوص الدستور “أولاً” ثم وفقاً للتفويض البرلماني “ثانياً” ،
أولاً
التفويض التشريعي وفقاً لنصوص الدستور: كما أشرنا سلفاً فان قدرةالسلطة التنفيذية ممثلة برئيسها على إصدار قرارات إداريةتنظيمية (لوائح أوأنظمة تفويضية) لها قوة القانون أي تستطيع بقراراتها المذكورة أن تعدلوتلغي نصوص القانون النافذ أو أن توجد قواعدقانونية جديدة ، يحتاج إلىالنص عليها بصورة صريحة في الدستور ، وكما نظمتها الدساتير المذكورةفي أعلاه ، و موقف دستورنا العراقيمن هذه المسألة واضح استقراءنصوص الدستور العراقي تبين لنا بوضوح عدم أخذ دستور العراق بفكرةالتفويض التشريعي للحكومة وهذايعني عدم قدرة الحكومة الاتحادية العراقيةعلى إصدار قرارات تفويضية لها قوة القانون ، وبالتالي لا يستطيع رئيسمجلس الوزراء العراقي و لا وزارة المالية من الناحية الدستورية أن يصدر أيقرار يتعارض مع القوانين الاتحادية النافذة لا بالإلغاء ولا بالتعديل و لابالإنشاء ، ذلكلان القرارات التي تصدر من السلطة التنفيذية بمستوياتهاجميعاً ما هي الا قرارات إدارية وكما هو معروف فإن القرار الإداري لايمكنله أنيخالف القانون مطلقاً لأنه أقل منه قوةً وآثراً، بل ان القانون يستطيع أنيلغي قرارات السلطة التنفيذية ، وعليه لا يمكن الاستناد إلى أي نصفيالدستور لتبرير قيام الحكومة بإصدار نظام استقطاع رواتب من المتقاعديناو الموظفين ،
ثانياً
التفويض التشريعي وفقاً للتفويض البرلماني:
فرضاً قد يُقال بأن البرلمان فوض رئيس مجلس الوزراء او وزارة باتخاذالاجراءات الاصلاحية كافة وبضمنها تعديل القوانين ذوات العلاقةبرواتبالمتقاعدين او موظفي الدولة وبالتالي يكون له أن يعدل و يلغي القواعدالقانونية النافذة بل وينشئ قواعد أخرى جديدة
هذا القول مردود للأسباب الآتية
1 – انعدام السند الدستوري لقيام مجلس النواب الاتحادي بتفويضالحكومة العراقية تشريعياً لأنه كما لاحظنا اختصاص استثنائيللحكومة لانفيه تنازل صاحب السلطة التشريعية عن اختصاصه الاصيل بالتشريع ،وإيكال هذه المهمة للحكومة ، ولذلك فهي تحتاج إلىنصاً صريحاً بصددها ،وإلا كان التفويض التشريعي فاقداً لسنده الدستوري وبذلك يخالف مجلسالنواب الدستور ويتنصل عن التزاماتهالدستورية .
2 – لو سلمنا بأن هذه الفكرة غير منظمة في الدستور العراقي ولكن يمكنالاخذ بالأعراف الدستورية المكملة للنقص الدستوري فأن هذاالأمر غيردستوري هذا من جانب ومن جانب آخر فأنه لم يحدث أي تطبيق للتفويضالتشريعي في ظل أحكام الدستور حتى يمكن القولبان عرفاً قد نشأ فيظله.
3 – أن مجلس النواب العراقي لم يفوض الحكومة تفويضاً تشريعياًبأستقطاع جزء من رواتب المتقاعدين و الموظفين حتى تقوم وزارة المالية بأجراء استقطاع من المتقاعدين .
أن الدستور قد بين بأن من اختصاصات مجلس النواب اصدار قوانين كماان له اصدار قرارات لا ترقى إلى مستوى القانون وقوته ، وبعضهايصدرهاكسلطة تأسيسية مشتقة ، و بالتالي فأن أجراء الحكومة بأستقطاع منرواتب المتقاعدين مخالفاً للقانون وللدستور ،
وأخيراً قد يقال بأن لمجلس الوزراء صلاحية تعديل الرواتب المنصوص ، فهذاالقول غير دقيق