أخبار عاجلة

واشنطن تريد.. طهران تريد.. وبغداد لا تعرف ماذا تريد !

مقال لدكتور العلوم السياسية في جامعة الكوفة “إياد العنبر”

لا أحد يعرف حتى الآن ما هي رؤية الحكومة الجديدة في العراق لإدارة ملف العلاقات الخارجية

لم تعد رسائل الترحيب والمباركة التي ترسلها طهران وواشنطن، بعد تشكيل حكومة جديدة في العراق، مبادرة يمكن اعتبارها بداية جديدة للتوافق الأميركي ـ الإيراني على التطورات السياسية في العراق. إذ تعودنا على تكرار هذه الرسائل مع بداية تشكيل الحكومات السابقة، وبالنهاية تكون الحكومة أما محسوبة على واشنطن أو على طهران.

ولم تعد عبارات الحياد والتوازن في سياسة العراق الخارجية، التي يرد ذكرها في المنهاج الوزاري لجميع الحكومات، قادرة على أن تشكل بصيص أمل بأن يكون العراق بعيدا عن رسائل التنافس والصراع بين صناع القرار السياسي الإيرانيين والأميركيين.

لكن يبدو أن البيئة السياسية الداخلية التي أثرت في إنتاج حكومة السيد مصطفى الكاظمي، والتي يقف على رأسها تظاهرات تشرين وشعاراتها برفض التدخلات الخارجية، وجائحة كورونا التي فرضت التهدئة في العلاقات الدولية حتى بين الأطراف المتصارعة إقليميا ودوليا، تشكل فرصة حقيقية أمام حكومة الكاظمي لتقديم منهج جديد في سياسة العراق الخارجية، لو جرى استثمارها بالتطبيق العملي لمبدأ العراق أولا.

ويبدو أن الإيرانيين أدركوا بأن حكومة في بغداد تكون متماهية تماما مع ما تريده طهران وتكون محسوبة عليها، كما كانت حكومة عادل عبد المهدي، لن يكون في صالحهم. ولعل هذا الإدراك قد أتى متأخرا بعد أن اعتبر ذلك نصرا استراتيجيا حققته؛ لأن نتائجه لم تكن كما يريد صانع القرار الإيراني.

 “ستقبل إيران الشراكة في تقاسم النفوذ بالعراق مع الولايات المتحدة، وستغادر منطق اللعبة الصفرية باعتبار ما يربح طرف يعد خسارة للطرف الآخر”

إذ ارتفعت وتيرة النقمة الشعبية على إيران وحلفائها في العراق، وأصبحت شعارات تردد في ساحات التظاهر في مناطق العمق الاستراتيجي للنفوذ. لكن الموقف مع حكومة الكاظمي، فيه نوع من التغيير هذه المرّة، إذ بدلا من تقديم مرشّح لمنصب رئاسة الوزراء، تعاملت مع ترشيح الكاظمي بمنطق الضرورات تبيح المحظورات، وساهمت بأن يكون هناك إجماعا الفرقاء السياسيين على التكليف. والتحشيد للإجماع أتى هذه المرّة بالتنسيق بين الحرس الثوري “سباه” والمخابرات الإيرانية “الاطلاعات”، لينهي تفرد الأخيرة بإدارة الملف العراقي الذي استمر منذ 2005.

تحاول إيران التعامل مع المتغيرات في العراق، وفق سياسة التراجع خطوة نحو الوراء، والتي قد تكون في مرحلة إعادة تقييم لسياستها الخارجية في إدارة الملف العراقي. إذ يبدو أن المرحلة القادمة تحتاج إلى تغليب المنظور السياسي على المنظور العسكري، وهذه ستكون مهمة “الاطلاعات” الإيرانية بعد الفراغ الذي خلفه غياب الجنرال قاسم سليماني، لا سيما بعد قراءة التغريدة الأخيرة للمرشد الأعلى علي خامنئي مستذكرا فيها صلح الإمام الحسن بن علي، باعتباره أنموذجا لسياسة “المرونة البطولية” في التعامل مع الخصوم، وفكرتها بأن لاعب المصارعة في حلبة الصراع يظهر المرونة لأسباب فنيّة لكنه لا ينسى الخصومة.

ومن ثم ستقبل إيران الشراكة في تقاسم النفوذ بالعراق مع الولايات المتحدة، وستغادر منطق اللعبة الصفرية باعتبار ما يربح طرف يعد خسارة للطرف الآخر. وهي تعتقد بأن هذه الفترة تحتاج إلى تجاوز مبدأ تغليب الولاء على الحنكة والتدبير السياسي في حلفائهم العراقيين.

أما بالنسبة الولايات المتحدة فإن القاعدة العامة التي تحكم سياستها الخارجية هي “ثبات المصالح وتغيير الاستراتيجيات”. ومصالحها في العراق تتجاوز قضايا النفط ومصادر الطاقة، وإنما تأسيس جديد للشرق الأوسط بدأ بتغيير النظام في العراق. ومن ثم، تتقبل أميركا جميع التعثرات التي ترافق التحول الديمقراطي لكنها لن تقبل أبدا بإجهاضه. ويدرك الأميركيون أن هناك ضرورة للحفاظ على ما تبقى بعد انسحاب إدارة باراك أوباما، وحان الأوان لتغيير قواعد اللعبة كما صرَّح بذلك وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر.

وتحدد الإدارة الأميركية نقطة التقاطع بينها وبين الإيرانيين في دعم الجماعات الشيعية المسلَّحة، وكان ذلك من ضمن الاشتراطات الاثني عشر التي حددها وزير الخارجية مايك بومبيو في بداية تسلمه منصبه. وعلى هذا الأساس كان الأميركيون ينتظرون الخطوات العملية لحكومة عبد المهدي في التعامل مع إيران ونفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري عن طريق حلفائها العراقيين، لكن عبد المهدي فشل في تحقيق التوازن الذي تضمنه برنامجه الحكومي.

مختصر الحكاية، إيران لا يمكنها أن تقبل بفك ارتباط نهائي بين العراق ومنظورها للأمن القومي الإيراني، فلا التاريخ ولا الجغرافيا تسمحان بذلك، لكنها قد تقبل بتقليل النفوذ العسكري، ونوعا ما السياسي، مقابل الإبقاء على الارتباط الاقتصادي، فهو المنقذ الوحيد من الانهيار. بالمقابل تعتقد أميركا أن تقليص النفوذ العسكري الإيراني في العراق بداية لا بأس بها، والباقي يأتي تباعا.

 ” حكومة الكاظمي أمام تحدي إقناع الأميركيين والإيرانيين بأنَّ العراق يجب أن يكون نقطة لقاء وليس تقاطع “

إذن، أكثر اللاعبين نفوذا في العراق (الولايات المتحدة وإيران) يعرفان تماما كيفية إدارة مصالحهما، ويملكان الوسائل التي تمكنهما من تحويل العراق إلى ساحة لتصفية حسابتهما أو لتمرير رسائل التهديد. ولذلك بادرت أميركا بتمديد استثناء العراق من العقوبات المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء من إيران لمدة 120 يوما، لإتاحة الفرصة أمام حكومة الكاظمي لترتيب أوراقها. وطهران من جهتها رحبت بهذه الحكومة وتتنظر مبادراتها لتهدئة التوتر مع واشنطن. فإيران عدو عاقل، كما يصفها بعض المراقبين والسياسيين في أميركا.

المعضلة الرئيسية تكمن في حيرة صانع القرار السياسي العراقي، فهو لا يتعاطى مع صراع السيطرة والنفوذ الإقليمي والدولي على أرض العراق من خلال الدول الفاعلة والمؤثرة، وإنما يتم بطريقة مركبة، إذ يكون مرة عن طريق إملاءات تلك الدول مباشرة، وأخرى عن طريق وكلائهم العراقيين. والمشكلة الحقيقة في الوكلاء، فإنّهم ملكيون أكثر من الملك!

لا أحد يعرف حتّى الآن ما هي رؤية الحكومة الجديدة في العراق لإدارة ملف العلاقات الخارجية وتحديد التعامل مع طهران وواشنطن، ورؤيتها لإدارة منظومة أمنية هجينة تتجاذبها الخلافات الداخلية وتعد بوابة للتدخلات الخارجية.

فحكومة الكاظمي أمام تحدي إقناع الأميركيين والإيرانيين بأنَّ العراق يجب أن يكون نقطة لقاء وليس تقاطع، وهذا يحتاج ترتيب البيت السياسي العراق من الداخل أولا، وفيما بعد تفعيل الاقتصاد ليكون هو المحور الذي تقوم على الشراكة، وليس الهيمنة بين الأطراف المتنافسة. لكن كيف يكون ذلك، ونحن نعيش في بلد فيه أكثر من جهة وحزب وزعيم يصادر قرار الدولة الخارجي؟!

عن جاسم العامري

شاهد أيضاً

“ساعد نساء سعوديات على الفرار وارتد عن الإسلام”.. صورة ودوافع متوقعة للمشتبه به بهجوم الدهس بسوق عيد الميلاد بألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية أن السائق الذي صدم بسيارته سوقاً مزدحماً لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ الألمانية، مما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *