يجلس نموذج وحيد متبقي من طائرة استثنائية الآن مدمراً في حقل بالقرب من العاصمة الروسية موسكو، ولكنه كان ذات يوم أمل الاتحاد السوفييتي، ضد هجمات الغواصات الأمريكية.
وصُممت الطائرة، التي تحمل اسم “بارتيني بيريف في في إيه -14” والأحرف هي اختصار لـ “طائرة برمائية الإقلاع العمودي” فيما يرمز رقم 14 لعدد محركاتها، بهدف الإقلاع من أي مكان بدون مدرج، وحتى تكون قادرة على الطيران المستمر فوق سطح الماء.
وصممت الطائرة في الستينيات، وكانت بمثابة الرد على صواريخ بولاريس الباليستية، وأدخلتها الولايات المتحدة في عام 1961، ضمن أسطولها من الغواصات كجزء من رادعها النووي.
ومن وجهة نظر مصممها، روبرت بارتيني، تعد طائرة “في في إيه -14” البرمائية، بمثابة السلاح المثالي للبحث عن الغواصات الحاملة للصواريخ وتدميرها.
ولكن الخطة لم تنجح، وبُني اثنين فقط من النماذج الثلاثة المقترحة، ولم يتم إطلاق سوى طائرة واحدة.
وعندما توفي بارتيني، عام 1974، مات معه المشروع.
وأُرسل نموذج الطائرة الأول، الذي كان سليماً في الغالب، في عام 1987 إلى متحف القوات الجوية المركزية بالقرب من موسكو، ولكن حدث خطأ ما خلال التسليم. وتعرضت الطائرة للنهب والتلف، ولم يتم إصلاحها منذ ذلك الحين.
تنين ثلاثي الرؤوس
وأوضح مؤرخ الطيران السوفييتي، أندري سوفينكو، أن الطائرة “في في إيه -14” عبارة عن قارب طائر، كان من المفترض أن يقلع من الماء أو يهبط عمودياً، ثم يحلق مثل طائرة عادية.
وفي عام 2005، التقى سوفينكو مع نيكولاي بوغوريلوف، نائب روبرت بارتيني خلال مرحلة تصميم الطائرة.
ووفقاً لبوغوريلوف، كان بارتيني صاحب رؤية ولديه عقل وشخصية غير اعتيادية. ويبدو أنه لم يكن من عصره، بل من حقبة أخرى، حتى أن هناك من وصفه بالفضائي.
وبدون شك، ترك بارتيني بصمة في صناعة الطائرات السوفييتية. ومع ذلك، فقد اشتهر بشكل رئيسي بأفكاره ومفاهيمه، ولم يتحول سوى القليل منها إلى حقيقة، بحسب ما قاله سوفينكو.
وكان بارتيني، الذي غادر منزله في إيطاليا إلى الاتحاد السوفييتي في عام 1923 بعد صعود الفاشيين، يتصور عدة إصدارات مختلفة من “في في إيه -14″، بما في ذلك واحدة تتضمن طوافات قابلة للنفخ، بهدف الهبوط على الماء، وأخرى بأجنحة قابلة للطي يمكن تشغيلها من السفن في البحر.
وانطلق النموذج الأولي الأول إلى السماء في عام 1972، وقد تم تجهيزه لاحقاً بطوافات لاختبار طوفانه على سطح الماء.
وأوضح سوفينكو: “لم تكن هذه الطائرة مزودة بمحركات رفع أو أي معدات للبحث عن الغواصات. وكان الغرض منها فقط هو دراسة خصائص الطيران الأفقي، واختبار أنظمة الطيران”.
وفي المجمل، من عام 1972 إلى عام 1975، نفذت الطائرة 107 رحلات بأكثر من 103 ساعات طيران.
وبسبب شكلها الغريب، اكتسبت الطائرة لقب “Zmei Gorynich”، تيمناً بتنين له ثلاثة رؤوس من الحكايات الشعبية الروسية.
وأشار سوفينكو: “عند النظر إليها من الأرض، تسببت طائرة في في إيه -14 بارتباطات مفهومة بينها وبين التنين الأسطوري “Zmei Gorynych”، إذ كان لديها أيضاً ثلاثة رؤوس، بالإضافة إلى أجنحة صغيرة نسبياً”.
وكان من المفترض أن يستقبل النموذج الأولي الثاني المحركات للإقلاع العمودي، ولكن لم يتم تركيبها أبداً على الطائرة شبه المكتملة، إذ لم يتم تطوير نوع المحرك المناسب.
وهكذا حكم على المشروع بالفشل، وتم تفكيك الطائرة.
وحاول بارتيني بث حياة جديدة من خلال التحول إلى “ekranoplan”، وهو نوع من الطائرات يستخدم التأثير الأرضي للانزلاق على السطح بسرعة عالية، كما تفعل الحوامات.
وأدت الاختبارات الناتجة، التي أجريت بعد وفاة بارتيني مباشرة، إلى تطوير طائرات أخرى من هذا القبيل، مما جعل الاتحاد السوفييتي القائد بلا منازع في هذا المجال.
ويعتقد سوفينكو أن الجيش السوفييتي سرعان ما أدرك أن فعالية “في في إيه -14″، كطائرة مضادة للغواصات ستكون منخفضة، إذ كان بإمكانها فقط حمل عدداً صغيراً من الصواريخ، وكانت التحديات التقنية لإنشاء مثل هذه المركبة غير العادية كبيرة.
وأوصح سوفينكو أنه في نهاية المطاف، اعتمد الجيش على طائرات تقليدية أكثر من أجل هذه المهمة.
وبعد تقاعدها عن الخدمة، نقل النموذج الأولي بواسطة بارجة من تاغانروغ في جنوب روسيا إلى بلدة ليتكارينو الصغيرة بالقرب من موسكو. وتم تفريغها على الشاطئ، وتُركت دون رقابة ومُدمرة جزئياً.
ونقلت الطائرة في وقت لاحق عبر طائرة هليكوبتر إلى متحف القوات الجوية المركزية في مونيو، ولا تزال الطائرة متضررة بشدة حتى يومنا هذا.