أثرّ ارتفاع تكاليف المعيشة في أمريكا بشدة على العائلات التي تعيش هناك خلال السنوات الأخيرة، حيث تكافح غالبيتها لتغطية نفقاتها.
وشعرت إحدى العائلات الأمريكية بالإحباط الشديد نتيجة الوضع، لدرجة أن أفرادها قرروا ترك حياتهم وراءهم، والانتقال للعيش في بلدة تقع في أقصى جنوب إيطاليا.
انضم كريس وجنيفر تيدروسكي من بريسكوت بولاية أريزونا الأمريكية إلى العدد المتزايد من المواطنين الأمريكيين الذين اشتروا منزلًا مهجورا في بلدة إيطالية ذات كثافة سكانية منخفضة بحثًا عن حياة ذات وتيرة أبطأ.
وفي عام 2021، اشترت عائلة تيدروسكيس منزلاً في المنطقة التاريخية ببلدة لاترونيكو، الواقعة في منطقة بازيليكاتا بجنوب إيطاليا، مقابل 26 ألف يورو (حوالي 27،274 دولارًا)، وأنفقت منذ ذلك الحين 50 ألف يورو إضافية (52،450 دولارًا) على عملية تجديده.
ويقول كريس تيدروسكي، وهو طبيب عظام يبلغ من العمر 49 عامًا، لـ CNN: “هدفنا هو الانتقال في العام المقبل أو نحو ذلك، بمجرد أن يصبح المنزل جاهزًا ونحصل على التأشيرة مع ابنتنا ليديا البالغة من العمر سبع سنوات”.
ويُوضح الزوجان أن تكلفة المعيشة في الولايات المتحدة أصبحت مرتفعة للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية.
وكانت رغبة كريس في إعادة التواصل مع تراثه الإيطالي أيضًا بمثابة حافز تغييري له، إذ هاجر جده الأكبر إلى الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر من بلدة بالقرب من لاترونيكو.
وقرّرت عائلة تيدروسكيس السفر إلى بلدة لاترونيكو لإلقاء نظرة على المساكن الفارغة المتاحة في عام 2021، بعد إطلاعها على مخطط الإسكان الخاص بالبلدة.
وأطلقت السلطات المحلية منصة على الإنترنت، بعنوان “Your House in Latronico” (بيتك في لاترونيكو) ، لمساعدة المالكين على مقابلة المشترين – من أجل جذب المغتربين إلى البلدة الخلابة الواقعة على قمة التل.
وتقول جنيفر، 37 عامًا، وهي أيضًا طبيبة عظام: “لقد اخترنا لاترونيكو بسبب الإعلان. لم يخطر ببالنا أبدًا شراء منزل في الخارج، لكنني أحببت فكرة البرنامج وكانت الأسعار منخفضة بشكل مدهش”.
وبعد الاطلاع على بعض العقارات في البلدة، اختاروا منزلاً يتكونّ من غرفتي نوم، مساحته 125 متراً مربعاً، مع قطعة أرض، ويمكن الوصول إليه بالسيارة عبر الحي القديم.
ويشير كريس، الذي سافر إلى إيطاليا للتوقيع على الأوراق في وقت لاحق من ذلك العام، إلى أن عملية البيع لم تشهد أي مفاجآت سلبية، وقد سارت بسلاسة تامة.
ومنذ شراء منزلهما الإيطالي، قام الزوجان بتجديد الأرضيات، وإضفاء لمسة جمالية على المطبخ، وغرفة الطعام، والحمامات، وغرف النوم.
وقد قاما أيضًا بتركيب سقف جديد، وسخان، ومكيّف هواء، وعمدا إلى تحديث السباكة، وإعادة طلاء الجدران الخارجية باللون الأصفر.
ويوضح الزوجان تيدروسكي أن أعمال التجديد استغرقت وقتًا أطول مما توقعا، ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص عمال البناء في إيطاليا.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، حصلت الأسر الإيطالية على إعفاءات ضريبية وافقت عليها الحكومة تصل إلى 110% للتطوير البيئي، الأمر الذي أدى إلى إطلاق شرارة “جنون التجديد” في جميع أنحاء البلاد.
ورغم من أن التكاليف كانت أعلى قليلاً من المتوقع، إلا أن الزوجان تيدروسكي يقولان إنهما لم تكن لديهما القدرة على شراء منزل مماثل في الولايات المتحدة.
وبينما قرّر الزوجان عدم محاولة الحصول على ترخيص لممارسة عملهما في اختصاص تقويم العظام، لأنه “من الصعب الانضمام إلى مجلس الأطباء الإيطالي”، فإن جنيفر تخطط لممارسة للطب البديل.
وتقول جنيفر: “لم أتمكن من قضاء الكثير من الوقت في لاترونيكو كما أريد، لكنني أحب أسلوب العمارة ونمط حياة القرية الصغيرة”.
وتضيف أن “مشاهدة تنقل السكان إلى المخبز والجزار، ثم التوقف لشرب القهوة، والتحدث مع بعضهم البعض في الشارع، ليس أمرا أراه في المجتمع الأمريكي”.
وقامت العائلة ببيع منزلها مؤخرًا في أريزونا، وتعيش مؤقتًا في شقة، بينما تستعد للانتقال إلى بلدة لاترونيكو.
مع ذلك لم تكن عملية الانتقال بسيطة على الإطلاق، إذ تمثلت العقبة الرئيسية، إلى جانب حاجز اللغة، في عملية الحصول على التأشيرة.
واجهت العائلة صعوبات في الحصول على تأشيرة إقامة اختيارية، وهو تصريح إقامة طويل الأمد مصمم للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي، ويتطلب من المتقدمين كزوجين أن يكون لديهما دخل قدره 38 ألف يورو (حوالي 39850 دولارًا) سنويًا.
ويقول كريس: “كان من الصعب للغاية الحصول على تأشيرة إقامة اختيارية، لأننا لا نطبق شروطها، وقد بحثنا في خيارات أخرى، ولكن لم يكن أي منها ممكنًا”.
وقد شرع مؤخرًا في البحث لإثبات أصوله الإيطالية من أجل التقدّم بطلب للحصول على الجنسية الإيطالية عن طريق النسب.
وكان كريس يجمع الوثائق الرئيسية عن أسلافه، ويحاول العثور على شهادات ميلاد جده الأكبر من مكاتب التسجيل الإقليمية، من أجل ربطها به من خلال شهادة ميلاد والدته. وبينما كانت والدته إيطالية، كان والد كريس بولنديًا ليتوانيًا.
في الماضي، لم تكن هناك مكاتب تسجيل في عمق إيطاليا، لذلك عادة ما توجد شهادات ميلاد قديمة في الأبرشيات والأديرة.
ويعترف كريس بأنه يتمنى لو أجرى المزيد من الأبحاث حول عملية الحصول على الإقامة في إيطاليا في وقت سابق.
وفي حين أن الأمريكيين الذين لديهم منازل في إيطاليا ولا يستوفون متطلبات التأشيرة يميلون إلى التنقل بين البلدين لاستيفاء شروط الإقامة خلال مدة 90 يومًا، إلا أن عائلة كريس تأمل في العيش في لاترونيكو بشكل دائم.
ويُوضح كريس: “نصيحتي للأشخاص الذين يرغبون في الانتقال إلى إيطاليا ضرورة التأكد من فهمهم لكيفية الحصول على الجنسية والتأشيرة”.
ويتابع:”قبل شراء المنزل، ضع خطة، وانظر في الخيارات المختلفة لتجنب المشكلات التي قد تربكك”، مؤكدّا أن “شراء منزل لا يمنحك الحق في الإقامة، وبدون تأشيرة، لا يمكنك البقاء في إيطاليا أكثر من 90 يومًا من أصل 180 يومًا”.
ورغم النكسات التي واجهتهما، يقول الزوجان إن قرية لاترونيكو قد استحوذت عليهما بالكامل ويتطلعان إلى بدء حياتهما رسميًا فيها، مهما طال الوقت الذي قد يستغرقه ذلك.