على هتافات الموت للديكتاتور يمزق أحد المتظاهرين ملصقًا للمرشد الأعلى الإيراني. وعلى ضوء مقتل الشابة مهسا أميني، ومثل النار في الهشيم، انتشرت الاحتجاجات إلى كل ركن من أركان إيران.
قوبل غضبهم بالقمع العنيف. ففي بلدة إسفرايان الصغيرة، مشاهد الخوف والفوضى التي تم تصويرها في مقطع فيديو رصدت أيضًا فتح قوات الأمن النار على المتظاهرين.
مشهد يصعب مشاهدته، بينما يندفع الحشد لمساعدة امرأة تصرخ من الألم بعد إصابتها برصاصة في عينها. تلك المرأة هي إلهي توكليان وتبلغ من العمر 32 عامًا، والتي تقول إن “اللحظة التي تعرضت فيها لإطلاق النار كانت أسوأ لحظة في حياتي”.
كانت في الاحتجاج مع طفليها التوأم البالغين من العمر 10 سنوات، حيث تقول إن طفليها كانا يصرخان “لقد قتلوا والدتنا. النجدة!”، مضيفة: “عندما بدأ هذا الشخص في إطلاق النار رأيناه. كان على بعد 30 أو 40 مترًا. رأيته يصوب نحونا. استدرت جانبًا لحماية أطفالي فأُصبت بالرصاص. لم أستطع رؤية سوى الدم. غطيت عيني بيدي. شعرت وكأنني إذا أبعدت يدي فإنها قد تسقط من محجرها”.
إلهي ليست وحدها في هذا الأمر، إذ يقول نشطاء إن قوات الأمن الإيرانية كانت تستخدم الكريات المعدنية والرصاص المطاطي، مطلقة بشكل متعمد ومنهجي على الأعين، مما أدى إلى إصابة أكثر من 500 متظاهر بالعمى، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان.
وشارك الكثيرون صورهم عبر الإنترنت، لكن النظام وصفهم بالكاذبين الذين ينشرون الدعاية.
ورقدت إلهي في المستشفى وسط الألم المبرح لساعات، مع تردد الأطباء في مساعدتها بينما كانت قوات الأمن تطارد المصابين ومن ساعدوهم.
وبعد إجراء عملية جراحية لعلاج إصابتها، بقيت إلهي في المنزل في غرفة مظلمة لأكثر من 3 أسابيع.
تقول إلهي إنها كانت تسمعهم من غرفتها وهم يرددون هتافات، مؤكدة: “كان هناك شيء ما يسحبني إلى الخارج، لأتكلم وأصرخ وأطالب بحقوقي. شعرت أن معركتي لم تنته بعد”.
لكنها أرادت أيضًا إنقاذ عينها، وبمساعدة صحفية إيطالية وصلت إلى إيطاليا حيث خضعت لمزيد من العمليات الجراحية، لكن كان الأوان قد فات. إذ اكتشف الأطباء أن الحبيبات المعدنية التي كانت لا تزال عالقة خلف عينها قد تحركت، واضطروا إلى إزالة العين.
تم تزويدها بعين صناعية، لكن الحياة أصبحت أصعب على إلهي مقارنة بما مضى. فهي لا تزال تعيش مع الألم الجسدي والصدمة، وحيدة في بلد أجنبي، وتعتمد الآن على التبرعات والأصدقاء من أجل البقاء.
والأصعب من ذلك كله أنها لا تعرف ما إذا كانت سترى طفليها مجددًا.
وتشير إلهي إلى أنها “لم تندم أبدًا على الأمر”، مشددة على أنه ” إذا عدت إلى إيران، سأفعل الأمر مرة أخرى. يقول الكثيرون إن هذه الثورة قد انتهت. لكنها لم تنته بعد، تخرج النساء الآن في جميع أنحاء البلاد بدون حجاب. لأنهن لم يعدن خائفات منهم. هذه هي طريقتنا في المقاومة المدنية”.
وفي حين أن النظام قد يكون سحق الاحتجاجات، لكن صمود إلهي، مثل الكثيرين الآخرين، لم يتزعزع. حيث تقول الأم: “مهما كانت المرات التي يقطعون فيها الزهور، فإنهم لن يتمكنوا من منع حلول الربيع. لقد أطلقوا النار على عيني وأطلقوا النار على آخرين، لكن النضال مستمر. أيًا كان عدد من يقتلونهم، فلن يتمكنوا من منع حلول الربيع. لا يمكنهم منع الحرية من العودة إلينا”.