بعد أقل من شهر من بدء رئاسته للولايات المتحدة، قال البيت الأبيض إن جو بايدن “سيعيد ضبط” العلاقات مع المملكة العربية السعودية، رافضًا فعليًا التحدث إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في فبراير/ شباط 2021، إن بايدن سيتحدث مع نظيره الملك سلمان. ورغم ذلك، فإن ولي العهد هو الذي يتولى الشؤون اليومية للمملكة، بما في ذلك السياسة النفطية.
لكن الكثير قد تغير على مدار عام منذ ذلك الوقت. بلغ التضخم الآن أعلى مستوياته منذ 40 عامًا، وتلوح الانتخابات النصفية للكونغرس في الأفق، وأغرقت روسيا لتوها أوروبا في أكبر أزمة أمنية لها منذ عقود بغزو أوكرانيا. ولكن ربما كان الأهم بالنسبة لعلاقة أمريكا بالشرق الأوسط هو أن أسعار النفط تجاوزت 100 دولار في أعلى مستوى لها منذ 8 سنوات.
اخترق خام برنت مستوى 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، الخميس، بعد أن هاجمت القوات الروسية أوكرانيا. تتدافع الدول الغربية الآن لإيجاد مصادر بديلة للطاقة في حالة انقطاع الإمدادات الضخمة من النفط والغاز من روسيا.
نداءات بايدن للحصول على مزيد من النفط من المملكة العربية السعودية، القائد الفعلي لمجموعة “أوبك”، رفضتها حتى الآن السعودية، التي تعهدت بالالتزام باتفاق “أوبك بلس” مع روسيا للحد من زيادات الإنتاج.
ولكن مع انهيار الدبلوماسية مع روسيا خلال الأسبوع الماضي، تم إحراز تقدم على جبهة أخرى في فيينا، حيث كانت القوى العالمية تتفاوض مع إيران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تخلى عنه الرئيس دونالد ترامب في عام 2018. التوصل إلى اتفاق قد يقدم لواشنطن وأسواق النفط العالمية المتنفس الذي تشتد الحاجة إليه من خلال الإفراج عن النفط الإيراني الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه.
يواجه بايدن الآن معضلة. هل يعيد النظر في رفضه الاتصال بولي عهد أقرب دولة شريكة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويوجه نداء جديدا إلى المملكة العربية السعودية؟ أم أنه قد يجد منقذًا غير متوقع في أكبر غريم له في الشرق الأوسط، إيران؟
قال عبدالعزيز صقر، رئيس مركز “الخليج للأبحاث” ومقره السعودية، إن قضية بايدن مع ولي العهد هي قضية شخصية. وأضاف: “إذا كان لديك شيء تريد إيصاله للسعودية، كرسالة، أو لولي العهد، قلها بصوت عالٍ وواضح. قل إن هذا ما تريده”. وتابع بالقول إنه “من المنطقي” أن تغير الولايات المتحدة نهجها تجاه السعودية بوصول سعر النفط إلى 100 دولار.
لكن حتى لو وافقت السعودية على زيادة الإنتاج، فهل سيخفف ذلك من الضغط على أسعار النفط؟
قالت إلين وارد، الزميلة غير المقيمة في مركز أبحاث “المجلس الأطلسي” بواشنطن، إنه ليس بالضرورة أن يحدث ذلك. وأضافت: “أشار وزراء الطاقة في دول أوبك إلى أنهم متشككون بشأن القدرة على تحديد الأسعار بدقة بمجرد زيادة الإنتاج”. وأضافت: “بعبارة أخرى، فإن أسباب الارتفاع الأخير في أسعار النفط ترجع إلى المضاربة المالية والمخاطر الجيوسياسية أكثر من نقص المعروض”.
وتابعت بالقول إنه حتى لو أجرى بايدن تلك المكالمة التي طال انتظارها مع ولي العهد السعودي “فليس هناك ما يشير إلى أن محمد بن سلمان سيستجيب بسبب طلب شخصي”.
إذا دفعت الأزمة الروسية الأوكرانية سعر النفط إلى حوالي 110 دولارات للبرميل، فإن التضخم في الولايات المتحدة سيتجاوز 10٪ على أساس سنوي، وفقًا لشركة RSM الاستشارية، التي أشارت إلى أن ذلك لم يحدث في الولايات المتحدة منذ عام 1981، وحذرت من أنه سيؤدي إلى “صدمة حقيقية على المدى القصير”.
المأزق الذي يواجهه بايدن لن يمر مرور الكرام في طهران، وربما يعزز موقفها في مفاوضات فيينا. والأربعاء الماضي، استدعت طهران كبير مفاوضيها لإجراء مشاورات ودعت الغرب إلى أن يكون “واقعيا” بشأن المحادثات.
تتوقع وكالة “ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس” أن اتفاقًا نوويًا مؤقتًا قد يسمح للصادرات الإيرانية بالنمو بمقدار 500 ألف برميل يوميًا في أبريل ومايو، في حين أن الاتفاق الشامل قد يسمح بنمو الصادرات بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا في غضون 9 أشهر. وكانت إيران تضخ 3.83 مليون برميل يوميا قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018.
وقال يوسف الشمري، باحث أول في “إمبريال كوليدج” بلندن: “اعتاد كل رئيس أمريكي الضغط على المملكة العربية السعودية لزيادة الإنتاج”، وكانت المملكة ملزمة في كثير من الأحيان. وأضاف: “خلال 4 سنوات، رأينا المملكة العربية السعودية إما ترفع الإنتاج أو تقوم بتخفيضات طوعية خلال عهد ترامب. لكن المملكة الآن تتمسك بنهج معياري أكثر”.
وبدوره، قال عبدالعزيز صقر إنه كلما زاد بايدن “شخصنة” نزاعه مع السعودية، كلما زاد إجبار المملكة على البحث عن بدائل استراتيجية للولايات المتحدة.
من جانبها، قالت إلين وارد: “لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية ستسمح للوضع بين الولايات المتحدة وروسيا أن يعرض علاقتها مع روسيا للخطر”. وأضافت: “علاقة الطاقة بين المملكة العربية السعودية وروسيا موجودة خارج القضايا الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، وطالما أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تظل خارج ذلك الوضع دون الاضطرار إلى الانحياز لأحد الجانبين، فمن المحتمل أن تمتنع حتى عن التعليق على تصرفات روسيا في شرق أوكرانيا”.