بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1892، تعلّم مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة، بيير دي كوبرتان، بالطريقة الصعبة أن المشاركة هي أمر مهم حقًا.
وخُطط لهذا اليوم بدقة، وبعد سنوات من البحث، أعلن البارون الذي يبلغ من العمر 29 عامًا عن فكرته لإحياء الألعاب الأولمبية باليونان القديمة في العصر الحديث.
واختار كوبرتان جامعة السوربون القديمة في باريس ومناسبة الذكرى السنوية الخامسة لاتحاد ألعاب القوى الفرنسي لإلقاء خطابه. لقد كان موقعًا كبيرًا لفكرة كبيرة، والتي تتمثل في مسابقة رياضية تجمع بين الدول للتعلم من بعضها البعض من أجل تعزيز الأممية والسلام العالمي.
وفشل الخطاب.
ويقول ديفيد واليشينسكي، مؤلف وعضو مؤسس في الجمعية الدولية للمؤرخين الأولمبيين، إن الجمهور “لم يكن سلبيًا، ولكن لم يكن هناك دعم من قبله أيضًا”.
ويتابع واليشينسكي: “ألقى خطابًا جيدًا أمام الجمهور الخطأ، جمهور لم يكن متعاطفًا أو منفتحًا بما فيه الكفاية”.
ويضيف والشينسكي: “أدرك كوبرتان أنه لم ينجح في ذلك، ولكنه كان مثابرًا، لقد أدرك أن المثالية ليست كافية. وكان عليه أن يذهب إلى التفاصيل الجوهرية وينجز العمل”.
ويُعد تبجيل الخطاب، إذ بلغت قيمة المخطوطة الأصلية المكونة من 14 صفحة 8.8 مليون دولار في عام 2019 لتصبح أثمن تذكارات رياضية تُباع في المزاد، دليلًا على ما حدث بعد ذلك.
الروح الأولمبية
ويشرح ستيفان واسونغ، الخبير في حياة كوبرتان ورئيس معهد تاريخ الرياضة في جامعة الرياضة الألمانية في كولونيا، أنه في عام 1892، لم تكن فرنسا تأخذ الرياضة المنظمة على محمل الجد.
وكان النشاط البدني والرياضات المنظمة جزءًا من البرنامج العسكري ولكن ليس المناهج الدراسية، على عكس الولايات المتحدة وبريطانيا.
وكان كوبرتان، وهو مدافع قوي عن القيمة التعليمية للرياضة، يعتقد أنها “مفيدة للعقل” وأن “العقل والجسم يمكنهما العمل معًا، وأن كلاهما يساعد الآخر،”، حسبما يوضحه واسونغ.
وسافر كوبرتان إلى إنجلترا، حيث كانت الرياضة بالفعل جزءًا من الحياة اليومية للطلاب في المدارس الداخلية، وحيث جمعت الأحداث المحلية مثل ألعاب وينلوك الأولمبية، التي تأسست عام 1850، المتنافسين عبر عدد من التخصصات.
ولكن كان المكان الذي يمكن أن تتوافق فيه الرياضة مع شغفه الآخر هو الذي أعطى فكرة كوبرتان ميزة.
وتوضح كتاباته تفاصيل “الصحوة” في المعرض العالمي لعام 1878، حيث انخرط في حركة السلام العالمية، والتي كانت مثل العديد من الحركات الأخرى، متمركزة في باريس في ذلك الوقت.
وبعد أن شاهد الإنجليزي هودجسون برات يقترح تبادلًا طلابيًا دوليًا لتعزيز التسامح، خلال مؤتمر السلام العالمي لعام 1891 في روما، “تبنى كوبرتان هذه الفكرة وربطها بالرياضة”، بحسب ما يقوله واسونغ.
ويقول واليشينسكي: “لم يكن هذا مفهومًا شائعًا”، خاصة بين القادة في عصر الاستعمار والمنافسة بين الطموحات الإمبريالية للدول الأوروبية.
ومع ذلك، كان كوبرتان مؤمنًا بفكرته.
وعندما حلَّت الذكرى السنوية الخامسة لاتحاد ألعاب القوى الفرنسي في جامعة السوربون، ألقى الخطاب الضوء على الإحياء الشعبي لكل ما هو يوناني، واستخدم سمعة الألعاب الأولمبية القديمة لدعم فكرته.
وأشاد كوبرتان بتقدم الرياضة من ألمانيا إلى السويد، ومن بريطانيا إلى الولايات المتحدة، وأعرب عن أسفه لبداية فرنسا البطيئة، ووصف الرياضة بأنها “تجارة المستقبل الحرة”.
ووُضعت الرياضة على نفس القاعدة مثل الابتكارات العلمية والهندسية في ذلك الوقت، وقال كوبرتان :”من الواضح أن التلغراف والسكك الحديدية والهاتف والبحوث الشغوفة في العلوم والمؤتمرات والمعارض قد فعلت أكثر من أي معاهدة أو اتفاقية دبلوماسية”.
وأضاف كوبرتان: “حسنًا، آمل أن تفعل ألعاب القوى المزيد. أولئك الذين شاهدوا 30 ألف شخص يركضون تحت المطر لحضور مباراة كرة قدم لن يعتقدوا أنني أبالغ”.
ويقول واسونغ إن الخطاب “أرسى بوضوح الأساسيات التعليمية للفكرة الأولمبية، ومهمتها لبناء عالم أفضل من خلال الرياضة”.
ولكن على الرغم من أن خطابه النبيل لم يلق آذانًا صاغية في تلك الليلة، إلا أن كوبرتان كانت لديه الإرادة والموارد، وقام بحملة في جميع أنحاء أوروبا من أجل الألعاب الأولمبية الحديثة.
وبعد عامين عاد إلى جامعة السوربون القديمة، وفي نفس الغرفة، تم إضفاء الطابع الرسمي على خطط الألعاب الأولى. وأخيرًا تم سماع رسالته.
وفي عام 1896، ولدت الألعاب الأولمبية من جديد في أثينا باليونان.
إرث معقد
ولم يعتقد كوبرتان في البداية أنه يجب على النساء المشاركة في الألعاب (تنافست النساء لأول مرة في عام 1900)، وبعقلية الطبقة العليا، كان يتبنى آراء “متناغمة في أفضل الأحوال، وفي أسوأ الأحوال، عنصرية في الواقع” لبعض البلدان، وفقًا لما يقوله واليتشينسكي.
وقال كوبرتان إن الحركة الأولمبية “بحاجة إلى تحديث مستمر، وضرورة أن تتكيف مع روح العصر السائدة”، حسبما ذكره واسونغ. لذلك، في حين أن الحركة كانت بفضل كوبرتان، فإن بعض الآراء التي تبناها يجب، باعترافه، أن تُترك في الماضي بكل سرور وتُفصل عن الألعاب.
وفي عام 1896، تنافست 12 دولة. أما بالنسبة إلى أولمبياد طوكيو 2020، فقد أُرسلت الدعوات إلى أكثر من 200 دولة وإقليم للمشاركة. واليوم، تتميز الألعاب الأولمبية بحجمها وتنوعها ودرجة البراعة الرياضية.
ويقول واليتشينسكي: “سيكون لدينا 11 ألف رياضي أو نحو ذلك في طوكيو، والغالبية العظمى أي 80% أو أكثر لن يكون لديها أي فرصة على الإطلاق للفوز بميدالية، وهم يعرفون ذلك … ولكن معظمهم هناك لتسجيل رقم قياسي شخصي، أو لتسجيل رقم قياسي وطني، أو لفعل أفضل ما في وسعهم”.
ويضيف: “أعتقد أن دي كوبرتان كان سيحب ذلك “.