لنا أن نفترض، أنّ القنوات التلفزيونية الأميركية الرئيسية التمست مقابلة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وعلينا أن نتوقّع لماذا اختار CNN، فهي الأكثر حضوراً في المنطقة العربية، وعبّرت، وما زالت، عن حالة تشبه العداء لسياسات الرئيس السابق دونالد ترامب داخلياً وخارجياً!
وليس سراً، أن موقفها هذا، كان يتماهى، بشكل أو بآخر، مع رؤية الملك، بدءاً ممّا سمّي بصفقة القرن، ومروراً بالفوقية التي تعامل من خلالها صاحبها مع أهل القضايا، وليس انتهاءً بأن الذي سيجري اللقاء هو فريد زكريا، الذي يعرف كثيراً عن المنطقة الكثير، الكثير، وفي سجلّه غير حديث مهم مع الملك، ويستطيع بخبرته أن يجرّ الكلام، من نقطة إلى أخرى بسلاسة!
ولعلّ هذه مسألة شكلية، ولكنّ ثلث ساعة تلفزيونية كان من شأنها أن توجّه رسائل محلية أردنية، وأخرى إقليمية، ولم تغب السياسة الدولية عن الأمر، فالملك تحدّث حاملاً رسالات الاخرين من قادة المنطقة، وتحدث عمّا فعله أخوه بكل اريحية وصراحة، وتمنى لو أن الأمر لم يحصل، وقال الكثير المختصر عن دمشق وطهران، فاتحاً الأبواب لمصالحات مشروطة، بعد أن أعلن عن خبر (مانشيت) تعرض الاردن لطائرات ايرانية مسيرة، وانتقد وجود الولايات المتحدة غير الفاعل في أفغانستان.
فريد زكريا استعمل مصطلح (جبل الهيكل) في القدس، وهو يسأل عن مستقبل الأردن، مستوحياً حادث اغتيال الملك عبد الله الأول هناك، والوجود الفلسطيني في الأردن، وهو بطبيعة الحال سؤال مستفزّ، ماكر، فلم ترفّ للملك أيّ جفن، ليقول إن الحادث المجرم جرى على أعتاب المسجد الأقصى في القدس، في تأكيد على حقيقة المكان، وحقيقة الدور الأردني، وتضحياته، ويضيف بأن الصراع، بين تل أبيب وغزة، مؤخراً، جعل إسرائيل في (حرب أهلية) وهذا تعبير يستخدم للمرة الأولى في قاموس الصراع العربي الاسرائيلي، وأكثر من ذلك فأكد على أنه لم يكن هناك من منتصر بين الطرفين، وهذا يعني ضمناً أن إسرائيل خسرت!
نحن نقرأ، هنا، مقابلة لم تتجاوز ثلث الساعة، ولكنها حفلت بالمضامين الصريحة، فهناك من الدول العربية التي تعتقد أن الاتفاق مع اسرائيل سيحقق لها الأمن من إيران، ولكن ذلك يعني التقدم خطوة والتراجع خطوتين، لأن الأصل هو القضية الفلسطينية، وعدم التقدم في حلها يعني حرباً جديدة مقبلة، دون أن يغفل الملك سؤاله: هل سترحل اسرائيل الناس من بيوتها الى مكان آخر، فالمكان الآخر له رأي مخالف. وكأنه يقول: نحن هنا بالمرصاد.
يبقى أنّ الملك عبد الله الثاني كان راقياً، وعملياً، في الحديث عن تدخل خارجي في مسألة الفتنة، وخصوصاً الدور السعودي المفترض الذي أشار له زكريا، فلم يؤكد أو ينفي، ولكنه قال إن مصلحة المنطقة ليست في الاتهامات، لأن هناك أموراً أكبر ينبغي الالتفات لها، ويبقى أكثر أنه أكد بالأبوية المحبة لإبنه البكر، كيف أن الرئيس بايدن كان وما زال محباً لنجله وولي عهده الأمير حسين، منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، فيزوره في بيته ومكتبه، وهو ما تؤكده الصور الحميمة بين الرئيس الأميركي والأمير الشاب.
هي ثلث ساعة، من مقابلة تلفزيونية، لخّصت عناوين كبيرة من سياسات محلية، اقليمية، ودولية، قد يكون لها ما بعدها في الآتي من الأيام، والأشهر، ولا نقول: السنوات، وللحديث بقية!